البدر100
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البدر100

البدر100 برامج كمبيوتر , اسلاميات , صور نادرة , أشهار منتديات , كل جديد معنا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
https://i.servimg.com/u/f21/14/21/83/26/uuuoou10.gif أخرالمواضيعhttps://i.servimg.com/u/f21/14/21/83/26/uuuoou10.gif <div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>                     
http://www.ahlalanbar.net/images/icons/8.gif عدد أعضاء المنتدى https://i.servimg.com/u/f21/14/21/83/26/menu10.gif 651 http://www.ahlalanbar.net/images/icons/8.gif اهلا وسهلا بك https://i.servimg.com/u/f21/14/21/83/26/menu10.gif زائر  http://www.ahlalanbar.net/images/icons/8.gif اخر عضو مسجل https://i.servimg.com/u/f21/14/21/83/26/menu10.gif goga1963  http://www.ahlalanbar.net/images/icons/8.gif
 
 

 تذكرنــي؟
الصفحة الرئيسية غرفه الشات التسجيل البوم الصور   فقدت كلمة المرور؟ اتصل بنا  فوتوشوب اون لين  دخول
 
 

 

 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حبيب الروح

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
حبيب الروح


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 161
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue150 / 999150 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 47
تاريخ التسجـيل : 19/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 081229103827xEtO


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 14, 2010 6:49 pm

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 363_image002

أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة جمعت بين طياتها الرقة والشدة، والرحمة والقوة، والأناة والسرعة، والتواضع والعظمة، والبساطة والفطنة.
شخصية عجيبة، جمعت كل ذلك، وأضعافه من فضائل الأخلاق والطباع، وهبه الله حلاوة المنطق، وطلاقة اللسان، وقوة الحجة، وسداد الرأي، ونفاذ البصيرة، وسعة الأفق، وبعد النظرة، وصلابة الغزيمة، كل هذا وغيره، وليس بنبي، إن هذا لشيء عجيب.
فشخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة ما تكررت في التاريخ.
انظر تقييم علي بن أبي طالب لهذه الشخصية، أخرج البخارى عن محمد بن علي بن أبي طالب قال:
قلت لأبي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قال: أَبُو بَكْر.
قلت: ثُمَّ مَنْ؟
قال: عُمَرُ.
وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ:
ثُمَّ أَنْتَ؟ قال:مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وهذا تواضع من علي بن أبي طالب.
تُرى كيف كانت شخصية هذا الرجل الذي هو خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزء من حديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ.
فهذه مقامات عالية جدا، فأبو بكر الصديق كما في الحديث من أَمَنّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي أكثرهم مِنّة وفضلًا.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ الله خليلا ولولا ذلك لاتخذ أبا بكر؛ أي أنه لو اصطفى من البشر خليلا لكان أبو بكر رضي الله عنه، ولكن أخوة الإسلام.
كيف يكون هذا الرجل الذي ظفر بتلك المنزلة الراقية؟
وكيف وصل إليها؟
لا نريد دراسة أكاديمية لحياة أبي بكر الصديق، ولكن أحب أن نبحث في مفاتيح شخصية هذا الرجل العظيم،
كيف تسهل عليه فعل كل هذا الخير؟
وكيف حافظ عليه؟
ثم هل من سبيل بعد معرفة هذا أن نقلده فيما فعل، فنصل إلى ما إليه وصل؟
- بتحليل شخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وجدت أنه يتميز عن غيره في جوانب كثيرة من أهمها خمسة أمور، من هذه الأمور الخمسة تنبثق معظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه:
- حب رسول الله صلى الله عليه وسلم
- رقة القلب، ولين الجانب
- السبق والحسم
- إنكـار الذات- الثـبـات

حبه الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم


أحبه حبًا خالصًا خالط لحمه ودماءه وعظامه وروحه حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والصحابة جميعا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما فريدًا، ولكن ليس كحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
هذا الحب الذي فاق حب المال والولد والأهل والبلد، بل فاق حب الدنيا جميعها.
وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكملات الإيمان، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشد الناس إيمانا، فهو إذن أشد الناس حبا للرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ:
رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ.
هذا الحب المتناهي، له دليل من كل موقف من مواقف السيرة تقريبا، ولو تتبعت رحلة الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيت حبا قلما تكرر في التاريخ.
وتعالوا نقلب الصفحات في حادث واحد فقط هو حادث الهجرة الى المدينة المنورة:
- لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في ساعة لم يكن يأتيهم فيها، أول ما قاله أبو بكر قال:
فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
- ولما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الهجرة قال أبو بكر الصديق بلهفة:
الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الصُّحْبَةُ.
فماذا كان رد فعل أبي بكر لما علم أنه سيصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أترك لكم السيدة عائشة تصور هذا الحدث:
قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.
يا الله، يبكي من الفرح للصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه الصحبة الخطيرة سيكون فيها ضياع النفس، فمكة كلها تطارده صلى الله عليه وسلم، ويكون فيها ضياع المال، ويكون فيها ضياع الأهل، ويكون فيها ترك البلد، لكن ما دامت في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر يبكي من الفرح لأجله.
- لقطة أخرى من لقطات الهجرة:
عند الوصول إلى غار ثور وهي لقطة (بدون تعليق) :
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر:
والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شر أصابني دونك.
فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبا، فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ghar-thourادخل.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلُدغ أبو بكر في رجله من الجُحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دمعة على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟
قال: لدغت فداك أبي وأمي.
فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده.
- لقطة أخرى من لقطات الهجرة: لقطة يحكيها أبو بكر الصديق كما أوردها البخاري في صحيحه، يقول:
ارتحلنا من مكة فأحيينا، أو سرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقامت قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه؟ فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل، فسويته بيدي، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله.
فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا فسألته:
لمن أنت يا غلام؟
قال : لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت هل في غنمك من لبن قال:
نعم.
قلت: فهل أنت حالب لبنا؟
قال: نعم.
فأمرته فاعتقل شاه من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب له كثبة من لبن، ومعي دواة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضأ. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ فصببت الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت، ثم قال:
أَلَمْ يِأْنِ الرَّحِيلُ؟
قلت: بلى.
فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشة على فرس، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله.
فقال: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.
- لقطة أخيرة من لقطات الهجرة وليست الأخيرة من لقطات أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أخرج الحاكم في مستدركه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له:
أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك.
فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟
قال: نعم، والذي بعثك بالحق.
هل كان هذا الحب من طرف واحد؟
كلا والله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِِنْهَا اخْتَلَفَ.
فلأن أبو بكر الصديق أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب الذي فاق كل حب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفع مكانته في قلبه فوق مكانة غيره.
روى الشيخان عن عمرو بن العاصرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، يقول:
فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
قال: عَائِشَةُ.
قلت: من الرجال؟
قال: أَبُوهَا.
قلت: ثم من؟
قال: عُمَرُ. فعد رجالا.
سؤال:هل كان يُرْغِمُ أبو بكر الصديق رضي الله عنه نفسه على هذا الحب؟ هل كان يشعر بألم في صدره عندما يقدم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب ماله أو ولده أو عشيرته أو تجارته أو بلده؟
أبدا والله، لقد انتقل الصديق من مرحلة مجاهدة النفس لفعل الخيرات إلى مرحلة التمتع، والتلذذ بفعل الخيرات، انتقل إلى مرحلة حلاوة الإيمان يذوقها في قلبه وعقله وكل كيانه.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه:
ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.
هذا الحب الفريد لرسول الله صلى الله عليه وسلم قاد إلى أمرين عظيمين يفسران كثيرا من أعمال الصديق رضي الله عنه الخالدة في التاريخ:


عدل سابقا من قبل حبيب الروح في الأحد نوفمبر 14, 2010 7:00 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيب الروح

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
حبيب الروح


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 161
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue150 / 999150 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 47
تاريخ التسجـيل : 19/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 081229103827xEtO


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 14, 2010 6:54 pm




اليقين الكامل بصدق ما قال رسول الله صلى الله عليه


اليقين الكامل بصدق ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جدال أو نقاشٍ أو تنطع. ما نهى عنه ينتهي، وما أمر به يأتي منه ما استطاع، ونجد مصداق ذلك في أحداث كثيرة منها:- عُرِض الإسلام على أبي بكر، وأن يدخل في دين جديد ما سمع به من قبل، وأن يترك دين الآباء والأجداد، وأن يخالف الناس أجمعين، ويتبع رجلا واحدا، أمر عجيب لا بد أن يلتفت إليه.يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَمَ(كف بعد المضي فيه) عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ، وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ.يقين كامل أن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم لا يكذب.- حادث الإسراء:أخرج الحاكم في مستدركه عن عائشة رضى الله عنها قالت:جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا:هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس.وهذا أمر عجيب جدا، وَضَعْ نفسك مكان أبي بكر الصديق، فالمسافة بين مكة والقدس أكثر من مائة يوم للذهاب فقط، فكيف يذهب، ويعود في ليلة؟! قال:أوَقال ذلك؟قالوا:نعم.فقال: لقد صدق.دون أن يذهب إلى رسول الله ليستوثق منه، ثم يعطي التبرير لمن يستمع له، قال:إني لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء غدوة وروحة.ويقال إنه لأجل هذه الحادثة سمي أبا بكر الصديق، والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي سمى أبا بكر بالصديق.روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحد، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال:اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ.بل في رواية الحاكم في المستدرك عن النزال بن سبرة رحمه الله أن الذي سماه بذلك هو الله عز وجل، قال النزال بن سبرة:قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن أبي بكر.قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا.ويقول الله عز وجل:[وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] {الزُّمر:33} .قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.كما أننا نجد أن حياة الصديق رضي الله عنه ما هي إلا تصديق مستمرٌ متصلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.- موقفه بعد صلح الحديبية، والموقف في صلح الحديبية كان شديد الصعوبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قد رأى في منامه أنه يدخل المسجد الحرام، ويعتمر الناس، ثم لم يحدث هذا في ذلك العام، ثم عقدت معاهدة بنودها في الظاهر مجحفة وظالمة للمسلمين، ثم طبقت المعاهدة على أبي جندل بن سهيل بن عمرو مباشرة بعد إتمام المعاهدة، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين لما جاءه مسلما في مشهدٍ مأساوي مؤثر.كل هذه الأمور وغيرها أثرت كثيرا في نفسية الصحابة بِهَمٍّ عظيم، وغَمٍّ لا يوصف، وكان من أشدهم غما وهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انظر ماذا فعل عمر على عظم قدره، وفقهه، وماذا فعل الصديق رضي اله عنهما.أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والغيظ يملأ قلبه فقال:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ألست نبي الله حقا؟ وهو لا يشك في ذلك قطعًا، ولكنه يبدي استغرابه مما حدث.قال: بَلَى.قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟قال: بَلَى.قلت: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟قال: بَلَى.قلت: علام نعطي الدنية في ديننا إذن؟وعمر هنا ليس قليل الإيمان، بل بالعكس يريد ما هو أشق على النفس، ولا يسأل التخفيف أو التغاضي، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يوضح، ويبين لكن هنا الرسول يربي على الاستسلام دون معرفة الأسباب، ودون معرفة الحكمة، ما دام الله قد أمر.قال: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ نَاصِرِي، وَلَسْتَ أَعْصِيهِ.قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟قال: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟قلت: لا.قال: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ.والرسول صلى الله عليه وسلم صابر جدا في حديث عمر؛ لأنه يعلم ما به من الغم ويعذره، وهذه درجة عالية جدًا من درجات الإيمان وهي غليان القلب حمية للدين.لكن تعال من الجانب الآخر وانظر إلى أبي بكر.قلت: فأتيت أبا بكر، فقلت:يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟قال: بلى.قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟قال:بلى.قلت: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟قال: بلى.قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى حق.هنا يغضب الرجل الرقيق؛ لأنه شعر أنه في هذه التلميحات إشارة، ولو من بعيد إلى شك في وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟قال: بلى، فأخبرك إنك تأتيه العام؟قلت: لا.ولعلنا نلاحظ التشابه الشديد بين ردود الصديق رضي الله عنه عنه، وردود رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: فإنك آتيه ومطوف به.يقين تام، ليس فيه ذرة شك من كلام رسول الله، هذا هو الصديق رضي الله عنه، فكان عمر يقول:ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به.- هذا اليقين أيضًا يفسر لنا موقفًا عجيبًا من مواقف الصديق رضي الله عنه وهو موقف إعلان الحرب على الفرس، فور الانتهاء من حرب الردة، فهذا من أعجب مواقف التاريخ على الإطلاق، ولنحسبها بحساباتنا المادية البشرية:- فالدولة دولة ناشئة لا تشتمل إلا على جزيرة العرب فقط.- والدولة ليس لها تاريخ في الحروب النظامية، فهي مجموعة من القبائل جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أعوام قلائل.- والدولة خارجة من حرب أهلية طاحنة، هي حروب الردة الضارية، والتي ارتدت فيها كل جزيرة العرب باستثناء ثلاث مدن وقرية.- والفرس دولة تقتسم العالم مع دولة الروم، أي أنها إحدى الدول العظمى في العالم.- وتاريخ الفرس قديم في الحروب النظامية، وجيوش الفرس تجاوز الملايين.- والجيش الإسلامي المعد لحرب الفرس لم يكن يتجاوز العشرة آلاف وصلوا إلى ثمانية عشر ألفًا عند اكتمال العدة، وهو عدد لا يمثل قوة مدينة واحدة من مدن الفرس.كل هذا وغيره، ومع ذلك يأخذ هذا القرار العجيب بالتوجه لفتح هذه البلاد.وحتى تفهم هذا القرار ارجع وادرس الموقف في ضوء اليقين الذي تحلى به الصديق رضي الله عنه:أولًا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بَشّر بغلبة هذا الدين بصفة عامة على كل الأمم، والأحاديث أكثر من أن تذكر في هذا المجال، ولكن على سبيل المثال ما جاء في صحيح مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا.ثانيًا: ثم لقد سمع بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر تخصيصًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمشركي قريش، وكان فيهم أبو جهل:أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ كَلِمَةً إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ بِهَا الْعَرَبَ، وَلَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ.فقال أبو جهل: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها.قال: تَقُولُونَ: لِا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ.فصفقوا بأيديهم وقالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهًا وحدًا؟ إن أمرك لعجب.وأبو بكر قد قال كلمة لا إله إلا الله وصدق بها وعمل بها وجيش أبي بكر كذلك، فلماذا لا ينصر؟ بل العجب كل العجب ألا ينصر.ثالثًا: بل هو قد سمع بشارةً أكثر تخصيصًا أيضًا من تلك التي سبقت، فقد كان مع المسلمين في حفر الخندق في الأحزاب يوم اعترضت المسلمين صخرة كبيرة، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضربها، وكان مما قال:اللّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ فَارِسَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْآنَ.رابعًا: بل هو رأى بعينه وسمع بأذنه هو دون بقية الصحابة ما حدث في طريق الهجرة من مكة إلى المدينة من أمر سراقة بن مالك، ورأى أقدام فرسه تسوخ في الرمال، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسراقة: كَيْفَ بِكَ إِذَا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟خامسًا: كما أنه رضي الله عنه حضر مباحثات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني شيبان أيام مكة، ولما رفض بنو شيبان الدعوة الإسلامية؛ لأنهم اشترطوا شرطًا أن لا ينصروه إذا حارب الفرس، فإنهم ليست لهم طاقة بحرب الفرس، فماذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَنْ تَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يُوَرِّثَكُمُ اللَّهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتُقَدِسُونَهُ؟فقالوا: اللهم لك هذا.سادسًا: بل أكثر من ذلك، فقد حدث من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما يذهب العجب عندك حينما تعلمه، فإنه في أوائل الفترة المكية قد نزل القرآن الكريم بمقدمات سورة الروم وفيها:[الم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ] {الرُّوم:1: 4} .وكان هذا إخبار بما حدث من هزيمة الروم وبما سيحدث من انتصارهم لاحقًا على الفرس.ذهب أبو بكر يذكر ذلك للمشركين يغيظهم به، وقد كان المسلمون يفرحون لنصر الروم؛ لأنهم أهل كتاب، بينما يفرح المشركون لنصر الفرس؛ لأنهم وثنيون مثلهم.فقال أبو بكر: ليظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا.فصاح به أُبَي بن خلف الجمحي: كذبت يا أبا فصيل.فقال الصديق: أنت أكذب يا عدو الله.قالوا:هل لك أن نقامرك. فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين فمضت السبع، ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:مَا بِضْعِ سِنِينَ عِنْدَكُمْ؟قالوا: دون العشر.قال: اذْهَبْ فَزَايِدْهُمْ وَازْدَدْ سَنَتَيْنِ فِي الْأَجَلِ.قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس.إذن هل يوقن الصديق بنصر النصارى على الفرس ولا يوقن بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر المسلمين على الفرس وغيرهم؟هذا والله أبدًا لا يكون.كانت هذه بعض المواقف التي دلت على يقين الصديق رضي الله عنه فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقينـًا تامًا، لا يعتريه شك.


عدل سابقا من قبل حبيب الروح في الأحد نوفمبر 14, 2010 7:02 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيب الروح

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
حبيب الروح


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 161
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue150 / 999150 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 47
تاريخ التسجـيل : 19/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 081229103827xEtO


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 14, 2010 6:57 pm




الإقتداء الكامل برسول الله صلى الله عليه وسلم


أما الأمر الثاني الذي قاده إليه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو: الإقتداء الكامل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وإن لم يدرك الحكمة، وهو يتمثل بقوله سبحانه وتعالى: [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] {الحشر:7}.وقوله: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ].وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يحب الله عز وجل حبًا لا يُقَدر، ويعلم أن الطريق الطبيعي لحب الله هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الاتباع المطلق.فإن علم الحكمة فبها ونعمت، وإن لم يعلمها فالعمل هو العمل بنفس الحماسة ونفس الطاقة.كثير من الناس يعرضون أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على عقولهم القاصرة، فإن وافقت موافقة من عقولهم فعلوها، وإن لم توافق عقولهم أو أهوائهم تركوها ونبذوها، بل قد يسخرون منها، أما أبو بكر فلم يكن من هذا النوع، أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، حتى لتشعر أنه لا يفرق بين فرض ونافلة، التصاق شديد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبطريقته ومنهجه، إذا كنت تريد أن تصل إلى ما وصل إليه أبو بكر وأمثاله رضي الله عنهم فاعلم أن قدر السنة عندهم كان عظيمًا جدًا.- مـا معنى السُّنة؟ليس المقصود بالسنة النوافل التي كان يؤديها رسول الله صالمقصود من السنة أنها الطريقة، المنهاج، السبيل الذي كان يسلكه في حياته كلها.السنة هي طريقته في السلم والحرب، في الأمن والخوف، في الصحة والمرض، في السفر والإقامة، في السياسة والاقتصاد، في الاجتماع، وفي المعاملات، في كل وجه من أوجه الحياة.ابتليت الأمة الآن بمن يقللون من شأن السنة ويكتفون- كما زعموا- بأوامر القرآن، ويتركون توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه توجيه رجلٍ من الصالحين أو شيخ من الشيوخ، ونسوا أن له مقامًا لا يصل إليه أحد من البشر،ف هو يتلقى عن رب العزة، ويصف لك ما فيه خير الدنيا، وخير الآخرة.وقد تنبأ رسول الله هذه الكارثة وهي التقليل من شأن السنة، فقد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله قال: يُوشِكُ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ عَنِّي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ.أي أنه سيكتفي بكتاب الله، وينكر السنة، وكلهم جاهل بكتاب الله، ولو قرأه لعلم ما فيه من آيات تخص اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا] {النساء:80}.ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي حرم الله.مشكلة خطيرة يقع فيها كثير من الناس إما بجهل، وإما بقصد، وتلك هي الطامة الكبرى.فعندما ننظر إلى حياة الصديق رضي الله عنه تجد اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فاق كل اقتداء، تشعر به في أقواله، وفي أفعاله، وفي حركاته وسكناته، وبهذا بلغ المنازل.الصديق وبعث أسامة

- انظر مثلًا إلى موقفه في إنفاذ بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والحقيقة أننا نسمع عن إنفاذ جيش أسامة، فلا نعطيه قدره، ونتخيل أنه مجرد جيش خرج، ولم يلق قتالًا يذكر فأي عظمة في إخراجه؟! بيد أن دراسة ملابسات إخراجه، وتأملها تدل على عظمة شخصية الصديق، وكيف أنه بهذا العمل وهو أول أول أعمال خلافته، قد وضع سياسة حكمه التي تعتمد في المقام الأول على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تردد، ولا شك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعد هذا البعث لإرساله لحرب الروم في شمال الجزيرة العربية، وقد أمّر عليه أسامة بن زيد، ولم يبلغ الثامنة عشر من عمره، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت جزيرة العرب كلها إلا ثلاث مدن هي مكة والمدينة والطائف وقرية صغيرة، وهي جواثا في منطقة هجر بالبحرين.الجزيرة العربية كلها تموج بالردة ومع هذا أصر أبو بكر الصديق أن ينفذ بعث أسامة بن زيد إلى الروم مع اعتراض كل الصحابة على ذلك الأمر؛ لأنه ليست لهم طاقة بحرب المرتدين فكيف يرسل جيشًا كاملًا إلى الروم ويترك المرتدين، والحق أنه قرار عجيب، البلاد في حرب أهلية طاحنة، وبها أكثر من عشر ثورات ضخمة، ثم يرسل زعيم البلاد جيشًا لحرب دولة مجاورة، كان قد أعده الزعيم السابق، لكن أبو بكر كانت الأمور في ذهنه في منتهى الوضوح ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر فلا مجال للمخالفة، حتى وإن لم تفهم مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وإن لم تطلع على الحكمة والغاية، وهذه درجة عالية من الإيمان، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بردة مسيلمة في اليمامة، والأسود العنسي في اليمن، ومع ذلك قرر تجهيز الجيش، وإرساله إلى الشام، وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر، فالخير كل الخير فيما أمر، فأصر على إنفاذ البعث إلى الروم.جاءه الصحابة يجادلونه ويحاورونه، وهم على قدرهم الجليل لم يفهموا فهم الصديق رضي الله عنه، فماذا قال لهم؟قال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة.وبالفعل أنفذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وكان الخير في إنفاذه، إذ أرعبوا قبائل الشمال، وسكنت الروم، وظنوا أن المدينة في غاية القوة، وإلا لما خرج من عندهم هذا الجيش الضخم، وحفظ الله المدينة بذلك، ورأى الصحابة بعد ذلك بأعينهم صدق ظن الصديق رضي الله عنه، لكن الصديق كان يرى الحدث قبل وقوعه؛ لأنه يرى بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولما رأى الصحابة إصرار أبي بكر الصديق قال بعضهم لعمر بن الخطاب: قل له فليؤمر علينا غير أسامة.فانتفض أبو بكر وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد كانت لحظات الغضب في حياته رضي الله عنه قليلة جدًا، وكانت في غالبها إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل، أو عطل أمر من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.- خطابه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى عمرو بن العاص مرة على عمان، ووعده أخرى بالولاية عليها، فلما استتب الأمر لأبي بكر الصديق بعد حروب الردة ولى عليها عمرو بن العاص تنفيذًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه أمور يجوز للوالي الجديد أن يراها أو يرى غيرها حسبما رأى المصلحة، هذا أمر ليس شرعيًا حتميًا، ولكنه لا يريد أن يخالف ولو قدر أنملة، وهذا هو الذي وصل به إلى درجته، وهذا الذي رفع قدره، وهذا الذي سلم خطواته، وهذا الذي سدد رأيه.ثم إنه قد احتاجه لإمارة جيش من جيوش الشام، وعمرو بن العاص طاقة حربية هامة جدًا، لكن أبو بكر الصديق تحرج من استقدامه في مكان وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يكره ذلك عمرو بن العاص فأرسل له رسالة لطيفة يقول فيها:إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَّاكه مرة، وسماه لك أخرى؛ مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وليته ثم وليته، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.- هيبته في جمع القرآن، فإنه لما استشهد عدد كبير من حفظة القرآن في موقعة اليمامة، وخشي الصحابة على ضياع القرآن ذهبوا إلى أبي بكر يعرضون عليه فكرة جمع القرآن، فكان متحرجًا أشد التحرج من هذا العمل الجليل، قال:كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن جمعه، ولكن كان من عادة الصديق رضي الله عنه أن ينظر إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإقدام على أي عمل، فما وجده اتبعه، فلما نظر ولم يجد رسول الله قد جمع القرآن تهيب الموقف، واحتار، ولكنه لما اجتمع عليه الصحابة، وأقنعوه وخاصة عمر، استصوب جمعه لما فيه من خير.وهكذا في كل مواقفه رضي الله عنه ستجد حبًا عميقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، دفعه إلى اليقين بصدق ما قال، ودفعه أيضًا إلى الإقتداء به في كل الأفعال والأقوال، ومع ذلك فإن هذا الحب العميق لم يدفعه إلى الظلم أبدًا. وأكتفي كدليل على ذلك بحادثة واحدة في حياة الصديق رضي الله عنه فقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة أبي بكر عائشة حين ذكرتها خوله بنت حكيم، وكان المطعم بن عدي قد خطبها قبل ذلك لابنه فقال أبو بكر لزوجه أ أم رومان
إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، والله ما أخلف أبو بكر وعدًا قط.ثم أتى مطعمًا وعنده امرأته فسأله:ما تقول في أمر هذه الجارية؟فأقبل الرجل على امرأته ليسألها ما تقولين؟فأقبلت هي على أبي بكر تقول: لعلنا إن أعطينا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه.فلم يجيبها أبو بكر، فسأل المطعم بن عدي: ما تقول أنت؟فكان جوابه: إنها تقول ما تسمع.فتحلل أبو بكر عند ذلك من وعده، وقَبِلَ خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان علقها على موافقة المطعم بن عدي مع رغبة نفسه الأكيدة في مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، طراز نادر من الرجال رضي الله عنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيب الروح

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
حبيب الروح


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 161
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue150 / 999150 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 47
تاريخ التسجـيل : 19/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 081229103827xEtO


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 14, 2010 7:20 pm

أبوبكر الصديق ورقة القلب



بعض النفوس تكون في طبيعتها غليظة جافة، والبعض الآخر يكون في قلبه رحمة فطرية غير مصطنعة غير متكلفة، وكان أبو بكر من هذا النوع الأخير. لقد سمع أبو بكر وصايا حبيبه محمد r، فحفظها، وعقلها وعمل بها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا- وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ". كانت رقة قلب أبي بكر الصديق تنعكس على حياته الشخصية، وتنعكس على علاقاته مع الناس. وتستطيع بعد أن تدرك هذه الحقيقة، حقيقة أنه جُبِل على الرحمة والرقة والهدوء أن تفهم كثيرًا من أفعاله الخالدة . عن عائشة رضي الله عنها كما روى البخارى ومسلم، قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله r طرفي النهار، بكرةٍ وعشية، فلما ابتلي المسلمون (تقصد في فترة إيذاء المشركين للمسلمين في مكة) خرج أبو بكر مجاهدًا إلى أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه بن الدغنة، وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. سبحان الله، سيترك التجارة والمال، والوضع الاجتماعي المرموق، والبيت والأهل والبلد والكعبة، بل أعظم من ذلك عنده سيترك رسول الله r. هناك بعض الناس يحبون أن يعبدوا الله بالطريقة التي يرونها هم صحيحة، لكن أبو بكر كان يعبد الله بالطريقة التي يريدها رسول الله r، كان من الممكن أن يبقى أبو بكر في مكة، ويعبد الله في سرية، ويتاجر، ويحقق المال الذي يفيد الدعوة، لكن رسول الله أراد له الهجرة؛ لأنه ليست له حماية في مكة؛ لأن قبيلته ضعيفة، وهي قبيلة بني تيم، فترك كل شيء وهاجر، وإلى أرض بعيد مجهولة غير عربية، إلى الحبشة، لكنَّ الله أراد لأبي بكر غير ذلك، فأراد الله له البقاء في مكة فسَّخر له ابن الدغنة. قال ابن الدغنة:فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ونلاحظ أنها نفس الصفات التي ذكرتها السيدة خديجة في وصف رسول الله r. ثم قال ابن الدغنة لأبي بكر: فأنا لك جار ارجع، واعبد ربك ببلدك. فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشيًة في أشراف قريش فقال لهم: أتُخرجون رجلًا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبنائنا. لأن قلوب النساء، والأبناء قلوب رقيقة، وأبو بكر رجل رقيق، يخرج كلامه من القلب، فيصل إلى القلوب الرقيقة المفتقرة للمعرفة، لكنهم لا يخشون على الرجال فقلوبهم كانت قاسية، عرفت الحق، واتبعت غيره. فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره (يعني لا يقرأ في الكعبة ولا في مجالس التقاء الناس ولا في السوق) ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه. لا يريد أن يكتم أمر الدعوة، تتحرق نفسه شوقًا لإسماع غيره كلام الله عز وجل، وتشفق روحه على أولئك الذين سيذهبون إلى النار إذا ماتوا على كفرهم تمامًا كرسول الله r الذي خاطبه ربه بقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3]. هكذا كان أبو بكر الصديق t. أبو بكر الصديق يبكي عند قراءة القرآن

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 363_image003كان أبو بكر رجلًا بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. ولقد أفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا في فناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبنائنا فانهه. وهذا أمر طبيعي جدًا، فإذا وصلت كلمات الله وكلمات الرسول خالصة نقية إلى أسماع الناس وجردوا قلوبهم من المصالح، فمن الطبيعي جدًا أن يؤمنوا بها: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الرُّوم:30]. وطبيعي جدًا أن يقاتل الكافرون دون ذلك، وهم يعلمون صوابها: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]. قالوا: فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. هنا وُضع ابن الدغنة في موقف حرج فهو لا يريد أن يخسر كل أهل قريش، كما أنه ليس من أهل مكة الأصليين ويبدو أن الكفر الشديد والعناد الكبير سيجعل مكة تغير من قوانينها وأصولها فتكسر قواعد الحماية وتعطل قانون الإجارة، ولذا قالت : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر عائشة فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجلٍ عقدت له. هنا لا يتردد أبو بكر الصديق t، فالدعوة في مقدمة حياته على كل شيء حتى على حياته وروحه. فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل. كانت هذه طبيعة أبي بكر، وكلنا يعلم أنه لما أشتد برسول الله r وجعه، وذلك في مرض الموت، قيل في الصلاة فقال r: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء. فقال r: "مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ". وفعلًا صلى أبو بكر بالناس، وفعلًا بكى كعادته في قراءة القرآن تمامًا كما وصفته ابنته الفاضلة السيدة عائشة رضي الله عنها: رجلٌ رقيقٌ. موقف أبي بكر مع ربيعة الأسلمي رضي الله عنهما

هذه النفس الرقيقة، والقلب الخاشع، والروح الطاهرة النقية، والطبيعة الهينة اللينة تفسر لنا كثيرًا من مواقف أبى بكر العجيبة: أخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي t قال: جرى بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي كلمة كرهتها وندم. ولنتأمل أن هذا الكلام يدور في المدينة، وأبو بكر هو المستشار الأول لرسول الله r، بمعنى أنه نائب الرئيس مباشرة، وربيعة الأسلمي هو خادم رسول الله r، فقال أبو بكر كلمة كرهها ربيعة، ويبدو أن الخطأ كان في جانب أبي بكر، وأدرك ذلك، ويحدث أن يخطئ البشر مع علو قدرهم، وسمو أخلاقهم، لكنه ثاب إلى رشده بسرعة عجيبة، وشعر بالندم كما قال ربيعة وهو يصف الموقف، لكن هل وقف الندم عند حد الشعور به والتألم الداخلي فقط؟ أبدًا، رقة نفس أبي بكر خرجت بهذا الندم إلى خير العمل وأسرع، وهو نائب الرئيس يقول لربيعة الخادم: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصًا. فقال ربيعة: قلت: لا أفعل. أدب ربيعة أثر تربية رسول الله .

قال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله r.فقال ربيعة: فقلت: ما أنا بفاعل. فانطلق أبو بكر t إلى النبي r، وانطلقت أتلوه، وجاء أناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله r وهو الذي قال لك ما قال. فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهذا ذو شيبة في الإسلام، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه، فيغضب، فيأتي رسول الله r فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما، فيهلك ربيعة. والله إنه لمجتمع عجيب، وأعجب منه الإسلام الذي غير في نفسيات القوم في سنوات معدودات حتى أصبحوا كالملائكة. قالوا: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا. وانطلق أبو بكر الصديق t وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله r، فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه فقال r: "يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَالصِّدِّيقُ؟" فقلت: يا رسول الله كذا وكذا، فقال لي كلمة كرهتها فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصًا. فأبيت. فقال رسول الله r: "أَجَلْ، لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ". فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر. قال الحسن: فولى أبو بكر t وهو يبكي. وكان من رقيه وحنانه أنه يشفق على المستضعفين في مكة، يقول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام في مكة. بمعنى أنه إذا أسلم الرجل، أو المرأة اشتراه من صاحبه وأعتقه. فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال أبوه: أي بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا، فلو أنك تعتق رجالًا جلدًا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟ وقد كان أبو بكر الصديق في حاجة إلى ذلك؛ لأن قبيلته قبيلة تيم كانت ضعيفة وصغيرة. فقال أبو بكر الصديق: أي أبت أنا أريد ما عند الله. فنزل فيه قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7]. ونزل في أبي بكر كذلك قول الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17-21]. وتأمل معي حينما يَعِدُ الله سبحانه وتعالى بنفسه عبده بأنه سيرضى، أيُّ ثمن دُفع وأيُّ سلعة تُشْترى؟ ما أزهد الثمن المدفوع، ولو كان الدنيا بأسرها، وما أعظم السلعة المشتراة لأنها الجنة. لما وقع حادث الإفك وتكلم الناس في حق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ابنة أبي بكر الصديق t، كان ممن تكلم في حقها مسطح بن أنانه t، وهو من المهاجرين، وهو ابن خالة الصديق t، فحلف الصديق أن لا ينفع مسطح بنافعة أبدًا. وهذا رد فعل تجاه من طعن في عرض ابنته، فمسطح لم يتكلم في خطأ عابر لأم المؤمنين لسيدة عائشة ، بل يطعن في عرضها وشرفها وهذه جريمة شنعاء وذنب عظيم. فلما نزلت البراءة وأقيم الحد على المتكلمين نزل قول الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]. لا يأتل: أي لا يحلف.أولوا الفضل: وهو وصف خاص بالصديق t، وللعلماء تعليقات كثيرة على هذه الشهادة من رب العالمين على أبي بكر الصديق أنه من أولي الفضل على إطلاقها، فهي تعني كل أنواع الفضل. فماذا كان رد فعل أبي بكر الصديق t؟ قال أبو بكر الصديق: بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا. ثم أرجع إلى مسطح ما كان يصله من نفقة وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا كل هذا وهو ليس بذنب، بل قطع فضلًا ولم يقطع حقًا لمسطح. أما نحن فللأسف الشديد، كم مرة نسمع المغفرة، ونحن على ذنب كبير حقيقي، ونسمع: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فنقول: إن شاء الله، ونُسَوف في التوبة، كم مرة سمعناها، ونحن على ذنوبنا؟ هذا هو الفرق بين الصديق، السبّاق إلى التوبة من ترك فضل وبين المُسَوّفين في التوبة، فيجب علينا أن نتوب في هذه اللحظة؛ لكي نكون قد تعلمنا حقًا من أبي بكر الصديق t وأرضاه. روى مسلم عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني t أن أبا سفيان أتى عَلى سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر t: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي r فأخبره، فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ". فأتاهم فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، غفر الله لك يا أخانا. الصديق وأسرى بدر

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 363_image004ولما استشاره رسول الله r في أمر الأسرى في موقعة بدر، ماذا كان يرى في أولئك الذين عذبوهم وأخذوا أموالهم، وطردوهم من ديارهم، وحرصوا على حربهم، وكادوا يقتلونهم في بدر لولا أن الله مَنَّ على المؤمنين بالنصر؟ لو نظرنا إلى أبي بكر لوجدناه وكأنه يتحدث عن أصحابه لا يتحدث عن الأسرى، لقد قال: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ فيهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا. أما عمر بن الخطاب، فقد كان جوابه مختلفًا، قال رسول الله r: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟" فيرد عمر بن الخطاب فيقول: ولنتأمل كلام عمر بن الخطاب وهو ملهم، ومحدث ومسدد الرأي، وفيه شدة واضحة على الكفر وأهله، وهي شدة محمودة في زمان الحرب. بل إنَّ رأيه هو ذلك الرأي الذي يريده الله ووافق فيه عمر ما أراد الله عز وجل: يقول عمر: والله ما أرى ما رأى أبو بكر الصديق، ولكن أرى أن تمكنني من فلان- أحد أقرباء سيدنا عمر بن الخطاب- فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عقيل بن أبي طالب، فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه، فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء أئمتهم وقادتهم. فيقول عمر بن الخطاب: فهوى رسول الله r ما قال أبو بكر الصديق، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء. نلاحظ التقارب الشديد في الطباع بين الرسول r وبين أبي بكر، وإن كان الصواب في الموقف كان مع عمر. يقول عمر: فلما كان الغد غدوت إلى النبي r وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. لله درك يا ابن الخطاب، عملاق آخر صنعه الإسلام، رقة متناهية مختفية خلف الشدة الظاهرة، وقلب يذوب ذوبانًا في حب رسول الله وتواضع جم وأدب عظيم، فقال رسول الله r: "لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، فَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابَهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ". ولماذا العذاب؟ وكأن بعض الصحابة أرادوا الدنيا بهذا الرأي، وينزل قول الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(67)لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:67-68]. الكتاب الذي سبق هو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]. ويلخص هذا كله رسول الله بتعليق جامع بعد قضية أسرى بدر، واختلاف العملاقين الكبيرين في الرأي فيقول r: "إِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36]. وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة:118]. وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26]، وَمَثَلُكَ مِثَلُ مُوسَى قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:88]. ولا أحد يُخَطِّئ إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعيسى عليه السلام في رحمتهما مع المذنبين، ولا أحد يخطئ نوح وموسى عليهما السلام في شدتهما في الحق. إذن هذه المواقف وكثير غيرها توضح مدى الطبيعة الرقيقة الحانية التي جُبِل عليها أبو بكر الصديق . هذه الرقة الشديدة والنفس الخاشعة، والطباع اللينة أورثت في قلب الصديق تواضعًا عظيمًا فاق كل تواضع. تعالوا نرقبه بإمعان وهو يودع جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، موقف عجيب، أسامة بن زيد دون الثامنة عشر من عمره، وهو جندي من جنود أبي بكر الصديق t، وأبو بكر الصديق هو زعيم الدولة الأول، خليفة المسلمين يتجاوز في العمر الستين سنة، ومع ذلك يودع بنفسه جيش أسامة، وهو ماش على قدميه، وأسامة بن زيد يركب جواده، ولك أن تتخيل الموقف، أسامة على الجواد، وأبو بكر يسير بجواره على الأرض، قال أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال: والله لستَ بنازل، ولستُ براكب، وما عليَّ أن أُغَبّر قدمي في سبيل الله ساعة. يا الله، يا لها من تربية راقية تربية على منهج النبوة، يربي نفسه على التواضع، ويربي أسامة بن زيد على الثقة بالنفس، ويربي الجنود على الطاعة لهذا الأمير الصغير، ثم هو يربي كل المؤمنين على حسن التوجه وعلى إخلاص النية ووضوح الرؤية، ثم هو يريد عمر بن الخطاب معه في المدينة، وعمر بن الخطاب في جيش أسامة، ومع أن أبا بكر الصديق هو القائد الأعلى لكل الخلافة إلا إنه يستأذن أسامة بن زيد قائلًا: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيب الروح

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
حبيب الروح


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 161
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue150 / 999150 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 47
تاريخ التسجـيل : 19/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 081229103827xEtO


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 14, 2010 7:24 pm

أبو بكر ونعمة السبق



السبق سمة واضحة جدًا في حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، والشيطان كثيرًا ما يمنع الإنسان من عمل الخير عن طريق التسويف، وبالذات مع أهل الإيمان والتقوى، يقول له افعل الخير ولكن بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين، ولا يقول له لا تفعل الخير، فالشيطان أذكى من ذلك، وعندما يؤجل الإنسان العمل، ولو للحظات قليلة يكون معرضًا بشدة لترك العمل، إما أن ينسى العمل، وإما أن تَجِدّ له ظروف تمنع من العمل من شغل، أو مرض، أو تتغير الحماسة في القلب، بل إن الإنسان قد يموت.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرجل العاقل الحكيم كان يفهم لعبة الشيطان فهمًا جيدًا، كان يفهم لعبة التسويف، فما سمح للشيطان أبدًا أن يلعبها معه، كان رضي الله عنه وأرضاه أستاذًا في السبق ونبراسًا في الحسم، تشعر أنه يتحرك في حياته وقد وضع الآية الكريمة:
[وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ] {البقرة:148} .
نصب عينيه، فتجده في سباق دائم مع الزمن، وكأن اللحظة القادمة هي لحظة الموت، فلا بد أن يكون مستعدًا لها، أو هي لحظة الفتنة، فلا بد أن يكون ثابتًا، ومن المؤكد أنه سمع حديث رسول الله الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة والذي يقول:
من يرى حياة الصديق رضي الله عنه يعلم أنه كان دائمًا يبادر بالأعمال الصالحة؛ اتقاء الفتن التي تظهر فجأة وعلى غير موعد سابق.
وإلى بعض الأمثلة التاريخية، على سبق الصديق رضي الله عنه;
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بَعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.سبقه إلى الإسلام

أول ما يلفت الأنظار إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه سبقه إلى الإسلام، فمن المعروف أنه أول الرجال إسلامًا، ما تردد، وما نظر، وما قال آخذ يومًا أو يومين للتفكير، بل أسرع إليه إسراعًا، وهو أمر لافت للنظر جدًا، فهو لن يغير شكله، أو بيئته، أو بلده، بل سيغير إيمانه، وعقيدته التي عاش عليها طيلة 38 سنة، أحيانًا بعض الرجال يعتقدون أنه من الحكمة التروي جدًا في الأمر، وعدم التسرع، وأخذ وقت طويل في التفكير قبل الإقدام على خطوة من خطوات الحياة، وبالذات لو كانت خطوة مصيرية، وهذا قد يكون صوابًا في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى عندما يكون الحق واضحًا جليًا مضيئًا كالشمس في كبد السماء ساعة الظهر، يصبح التروي حماقة، وتصبح الأناة كسلًا، وتصبح كثرة التفكير مذمة، هذا مثلًا ما حدث مع قوم نوح، فقوم نوح كانوا يعيبون على الذين آمنوا مع نوح عليه السلام أنهم تسرعوا في الأمر ولم يتفكروا، قالوا:[فَقَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ] {هود:27} .فبادي الرأي معناها أولئك يبدون آرائهم لأول وهلة دون تفكير وتمحيص. وسبحان الله إنه لمن البلاهة أن ترى الشمس ساطعة، فتسأل عنها فتقول دعوني أفكر أولًا وأتروى: هل هي ساطعة أم لا؟أو ترى نبعًا صافيًا سلسبيلًا في الصحراء، وأنت على مشارف الهلكة من العطش فتأخذ يومًا أو يومين تفكر هل أشرب أم لا؟!كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يرى الحق بهذه الصورة، فلماذا التردد والانتظار؟!عُرض عليه الإسلام غضًا طريًا واضحًا، فأنار الله قلبه بنور الهداية، وأدرك الحق من أول وهلة فلماذا الانتظار؟روى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟قال ذلك لما حدث خلاف بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبين أحد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم أكمل صلى الله عليه وسلم مسوغات أن يتركوا له صاحبه رضي الله عنه، قال:إِنِّي قُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا.فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ.إذن هي فضيلة ولا شك أن أسرع إلى الإسلام هذا الإسراع، وسبحان الله مرت الأيام، وَصَدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الذين كذبوه من قبل، لكن كان أبو بكر هو الفائز بأجر السبق، من الناس من صدق بعد أيام من سماع الدعوة، ومنهم من آمن بعد سنوات، ومنهم من انتظر حتى تم الفتح ثم آمن، نعم الجميع آمن، والجميع صدق، لكن الصديق فاز بها [وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ(11)فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ]{الواقعة:10: 12}. الأيام التي تمر لا تعود أبدًا إلى يوم القيامة، ولا شك أن أولئك الذين تأخر إسلامهم أيامًا وشهورًا وسنوات، كانت الحسرة تأكل قلوبهم على أيام ضاعت في ظلمات الكفر، لكن الحسرة ما أعادت الأيام، ولا شك أن الذي سارع إلى الخيرات استمتع بهذه الأيام التي قضاها في الإيمان، وفي النهاية الأيام مرت على هذا وذاك، وأنا لا أذكر هذا الكلام للتاريخ، نحن في واقع حياتنا كثيرًا ما نتردد في أعمال الخير فنؤجلها يومًا، ويومين، وشهرًا أو شهرين، ثم نفعل الخير، أو لا نفعله.[لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] {الحديد:10} .فالأعمال لها أجران، أجر العمل نفسه، وأجر المبادرة إليه، والسبق في تنفيذه، وقد يكون أجر السبق أعظم من أجر العمل نفسه؛ لأنها تكون بمثابة السُّنة الحسنة التي تسنها لغيرك فيقلدونك، فيكون لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا.روى الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم;مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًالكن قضية إسلام أبي بكر الصديق بهذه السرعة قضية تحتاج إلى وقفة، بل وقفات، هذا قرار غير عادي، قرار مهول، بل أكثر من مهول، قرار يتبعه ترك الدين إلى دين غيره، قرار يتبعه هلكة الأموال والأولاد والأشراف، قرار يتبعه قتال الأبيض والأسود والأحمر من الناس، قرار يتبعه تكفير الآباء والآجداد، قرار يتبعه تعب ونصب ووصب، بل جهاد حتى الموت،هذا قرار يغير المألوف الذي ألفه الناس سنوات وسنوات، وتغيير المألوف يحتاج إلى رجال من طراز خاص، وقد كان الصديق ذلك الرجل.ولماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق من بين كل الناس، لكي يسر له بأمر الدعوة دون غيره؟وقد كان من المنطقي أن يدعو الرسول أحد أقاربه قبل الصديق، وخاصة في هذه البيئة القبيلة، فلماذا لم يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا لأبي لهب، أو العباس، أو حمزة، أو غيرهم من عائلته، وأهل بيته؟وذلك ولا شك قد كان لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقاربه، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الصديق أمورًا، ولا شك، جعلته يتيقن أنه سيوافقه، بل يعينه على أمر هذه الدعوة، ويكون له شـأن عظيم لا يغفل في هذا الدين، فمــا الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصديق رضي الله عنه؟كيف أخذ الصديق هذا القرار الجريء المُغيّر؟


أو قل: لماذا لم يأخذ الآخرون القرار الذي أخذه الصديق ببساطة وسهولة؟
ما الذي يمنع الناس أن يؤمنوا فيتخلفوا عن ركب الصديق وأمثاله؟
وهنا نقف وقفة ونحلل، ولأننا لا نسرد التاريخ لمجرد العلم به، بل لكي نتحرك به خطوات إلى الأمام، فلنلاحظ الصفات التي كانت في الصديق رضي الله عنه وجعلته يسبق إلى الإسلام، فإن كانت موجودة عندنا، فالحمد لله، وإلا فلنستكملها، لأنه لا يمكن سبق بدونها، كذلك تساعدنا هذه الصفات في الحركة في دعوة الناس إلى الله، فمن كانت فيه مثل هذه الصفات الخيرة، فلنكن بادئين به، فإن للداعية أولويات لا بد أن تحترم، وقواعد لا بد أن تتبع. وقد حاولت أن ألم بمجمل تلك الصفات فحصرتها في عشرين صفة وهذه الصفات يكون بعضها موجود بعض الناس وبعضها الآخر في آخرين، وقد تجتمع في رجل واحد مثل الصديق رضي الله عنه.
أولًا: قبل كل شيء فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء
[إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ] {القصص:56}.
فلما يختار الله للنبوة أفرادًا بعينهم يصطفيهم على بقية البشر، فإن الله بعد ذلك يصطفي عبادًا من عباده يعينون رسل الله في قضاء مهمتهم، وفي توصيل دعوتهم، وقد كان الصديق ولا شك في ذلك من هؤلاء المصطفين. بل إن الله يصطفي من البشر أناسًا على فترات متعددة بعيدًا عن زمان الرسل، يجددون لهذه الأمة أمر دينها، إذًا أول أمر هو اصطفاء الله للصديق لينال هذه المكانة الراقية وذلك لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وكما صنع الأنبياء على عين الله عز أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Hedaiaوجل، فكذلك الصديق رضي الله عنه قد صنع على عين الله
وهنا قد يقول قائل أن هذا الأمر ليس بيده، أي اصطفاء الله له، ولكنه لا بد أن يعلم أن هذا الاصطفاء ليس عشوائيًا، حاشا لله، ولكن الله بسابق علمه يعلم أن في هذا العبد صلاحًا وإيمانًا، فيقربه، ويهديه، نـسـأل الله عز وجل أن نكون كذلك.
ثانيًا: قد يصد الناس عن سماع الحق كراهيتهم لقائله، والحق أن أهل مكة جميعًا ما كانوا يكرهون محمدًا قبل بعثته، بل كان جلهم أو كلهم يحبه صلى الله عليه وسلم، فهو الصادق الأمين الشريف العفيف، لكن أتراهم أحبوه مثلما أحبه الصديق رضي الله عنه؟
أشك كثيرًا في ذلك، فإني لا أعتقد أن أحدًا أحب أحدًا مثلما أحب الصديق محمدًا صلى الله عليه وسلم.
محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه كانا صديقين حميمين حتى قبل البعثة، وكما ذكرنا من قبل، حديث الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَناكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.
فقد تعارفت روحا النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، وأول درجات الدعوة الصحيحة أن يحب المدعو الداعية، وأن يحب الداعية المدعو، هذا الحب المتبادل يفتح القلب، وينور العقل، ولا شك أنه درس لا ينسى لكل الدعاة، إذا أردت أن يستجيب الناس لدعوتك فلا بد أولًا من حب متبادل، أَحِبّ الناس وكن أهلًا لحبهم.
ثالثًا: من الموانع الخطيرة لإجابة الدعوات الجديدة الصالحة، الكِبر، آفة عظيمة تصيب قلوب بعض العباد فتصدهم عن كل خير، الكبر أخرج إبليس من الجنة، والكبر أخرج المتكبرين في كل العصور من جنة الإيمان إلى جحيم الكفر والضلال
[وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ] {النمل:14} .
الكبر أخرج معظم عمالقة الكفر في مكة من دائرة الإيمان إلى دائرة الجحود، بل قل معظم أفراد الكفر، فالكافر لا يكون عملاقًا، مثلًا الوليد بن المغيرة كان يستكبر أن يتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم
[وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] {الزُّخرف:31}.
لو نزل على عظيم في مكة كالوليد بن المغيرة، أو على عظيم في الطائف كعروة بن مسعود الثقفي، لو نزل على هؤلاء لاتبعوهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس عظيمًا فقط، بل هو أعظم الخلق أجمعين، ولكن مقياس العظمة عند هؤلاء مقياس مختل، فالعظمة عندهم لا تكون في خلق، ولا عقيدة، بل في وفرة مال أو سعة أملاك أو بأس سلطان.
هؤلاء المتكبرون المتغطرسون يطمس الله على قلوبهم، فلا يعرفون معروفًا ولا يُنكرون منكرًا
[سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:146}.
وهكذا صرف الله قلوب المتكبرين عن الإيمان، ولكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليس من هذا الصنف، كان الصديق متواضعًا شديد التواضع، هينًا لينًا سهلًا محببًا، ذكرنا طرفًا من تواضعه وسنذكر أطرافًا أخرى في مواقف قادمة، ومن الصعب أن تخص مواقف التواضع في حياة الصديق؛ لأن تواضعه لم يكن مختلقًا أو مصطنعًا، بل كان تواضعًا فطريًا أصيلًا في شخصيته، هذه النفس المتواضعة للحق كان من السهل عليها جدًا أن ترى سبيل الرشد، وأن تتخذه سبيلا، وأن ترى سبيل الغي، ولا تتخذه سبيلا، وهو درس لا يُنسى للدعاة، فدعوة الإنسان الهين اللين المتواضع أبرك ألف مرة من دعوة المتكبر المتغطرس، وإن كان زعيمًا ممكنًا، وسبحان الله، فكما أن الحب المتبادل يسهل الدعوة، ويسهل قبول الفكرة الجديدة، فالتواضع المتبادل يسهل الدعوة أيضًا، ويسهل قبول الفكرة الجديدة أيضًا، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعًا، بل هو أشدهم على الإطلاق، ولا شك أن قبول الفكرة من الداعية الذي لا يتكبر على الخلق يكون سهلًا سلسًا طبيعيًا، بينما لا يقبل الناس عادة أفكار المتكبرين.
رابعًا: يمنع طائفة من الناس أن يصدقوا غيرهم أنهم شخصيًا اعتادوا الكذب، فالكذاب كثير الكذب، والخائن كثير الخيانة غالبًا ما يصعب عليه أن يصدق الآخرين، أو يأتمن الآخرين، ذلك لأنه دائم الظن أن الناس يفعلون كما يفعل، ويتصرفون كما يتصرف، وأبو بكر لم يكن صادقًا فقط، بل كان صديقًا، كان يستقبح الكذب، وما أوثر عنه كذبة واحدة، ورجل بهذه الصفات لا يفترض الكذب في غيره، بل هو يحسن الظن فيما يقال له، فما بالكم إذا كان الذي يحدثه رجل اشتهر بالصدق، والأمانة حتى لقب بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، ولم يشتهر بهذا عامًا أو عامين بل أربعين سنة، ولم يشتهر بذلك في معظم أموره، بل كل أموره، فكيف للصديق أن يفترض الكذب في رجل داوم على الصدق أربعين سنة؟
وكيف لهذا الذي ترك الكذب على الناس أن يكذب على الله رب العالمين؟
هذا استنتاج بسيط لا يغيب عن عقل الصديق، بل إنه لم يغب عن ذهن رجل ما عاشر محمدًا ولا حتى رآه مثل هرقل ملك الروم، فإنه لما سأل أبا سفيان عن صدق النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان وكان ما زال كافرًا قال أنه لا يكذب، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب عليكم ليكذب على الله.
وهكذا فالصدق المتبادل بين الداعية والمدعو من أشد عوامل قبول الفكرة، وإن كانت جديدة تمامًا.
خامسًا: كثيرًا ما يمتنع كبراء القوم عن إجابة الدعوات، بل يواظبون على حربها، ومقاومتها بسبب الخوف على السيادة والحكم.
فالحاكم الذي يستمد قوته من شرعه الذي وضعه للناس، يخشى إن جاء شرع جديد أن يستبدل بصاحب هذا الشرع، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو أن يكون الحكم لله
[إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {يوسف:40}.
ألا لله [أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {الأعراف:54}.
فأسياد البلد يرفضون السيادة الجديدة، وهذا الأمر صد طائفة ضخمة من حكام مكة في ذلك الزمان، وهذا الأمر هو الذي صد زعماء القوم من زمان نوح وإلى يوم القيامة، الخوف على السلطان، عبد الله بن أُبَي ابن سلول زعيم المنافقين في المدينة، لماذا كان يكره محمدًا صلى الله عليه وسلم؟
لأن الأوس والخزرج كانوا ينسجون له الخرز حتى يتوجوه ملكًا على المدينة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستلم سدة الحكم بالمدينة، وجعل الشرع لله والأمر لله والحكم لله، فأبت نفس ابن أبي سلول ذلك، فرفض الإيمان، ثم ادعاه ظاهرًا فأصبح منافقًا، أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يكن زعيمًا من زعماء قريش، وإن كان من أهل الشرف هناك، فلم يكن يخاف على ملك ضائع، أو سلطان مبدد، فلم تكن السيادة والزعامة عائقًا أمامه، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضًا لم يكن زعيمًا في مكة، ولم يكن يطلب زعامة بدعوته الجديدة، بل عرضت عليه الزعامة مقابل ترك هذه الدعوة، فرفض رفضًا حاسمًا باتًا، وهكذا التقى الحبيبان من جديد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، التقيا في رفض الزعامة، ورفض طلبها، فهان على محمد صلى الله عليه وسلم توصيل الدعوة، وهان على الصديق رضي الله عنه قبولها، ولكنه هذا لا يعني عدم قبول الزعماء للدعوة بشكل مطلق، فقد يهدي الله أحدهم، كما حدث مع سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وهم من زعماء الأنصار، ولكن لا تبدأ بالزعمـاء.
سادسًا: تعارض المصالح من أشد المعوقات لقبول الدعوات الجديدة، وخاصة المصالح المالية، قد تؤثر الدعوة الجديدة سلبًا على مصلحة أحد الناس المادية، فيقاوم الدعوة حفاظًا على مصلحته، وأبو بكر الصديق كان تاجرًا، ودين الإسلام لا يمنع التجارة، بل على العكس يحفز عليها، وهو حتى إن لم يكن يعرف تفاصيل هذا الدين، وماذا يبيح أو يمنع التجارة؟ إلا أنه يرى الداعية لهذا الدين يعمل تاجرًا، وذلك أكثر من خمسة عشر عامًا متتالية منذ زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها، بل قبل ذلك، فقد كان يرعى تجارة عمه أبي طالب، إذن الوظيفة محفوظة، لكن ما بال تجار مكة غير الصديق يقاومون الدعوة بينما انخرط فيها الصديق؟
مكة بلد آمن، وبه المسجد الحرام وأهل الجزيرة العربية كانوا يذهبون بتجارتهم، وأموالهم يتاجرون في هذا المكان الآمن، وتجار مكة يستفيدون من هذا تمامًا، فإذا انتشرت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فأهل مكة يتوقعون حربًا لها من العرب، وستتحول البلد الآمن إلى بلد قلاقل وفتن ولا يأمنوا على تجارتهم؛ فلذلك سارعوا حماية لمصالحهم التجارية والاقتصادية، بمقاومة الدعوة في مهدها، بينما الصديق وإن كان تاجرًا، إلا أنه جُبِل على العطاء والكرم والزهد في المال حتى قبل إسلامه، فلم يكن حب المال عائقًا أمام الصديق يمنع من دخول الدين، وسيأتي تفصيل هذه النقطة إن شاء الله عند الحديث عن السمة الرابعة من سمات الصديق وهي ( إنكار الذات ) إذ نذكر طرفًا من عطائه رضي الله عنه، لكن المهم هنا أن نعلم أن تجار مكة الذين تغلغل حب المال في قلوبهم كانت أموالهم حجر عثرة في طريق إيمانهم، بينما تميز الصِّديق عن أقرانه بعطائه وكرمه،.ما بالكم إن كان يستمع إلى دعوة تأتي على لسان رجل ما تعلق بالمال في حياته ولو مرة واحدة سواء قبل بعثته أو بعد بعثته، وسواء قبل تمكينه أو بعد تمكينه، لا شك أن لقاء الزاهدين في المال سيكون لقاءًا مثمرًا إيجابيًا، فإن أردت أن تبدأ فابدأ بالكريم، الذي لا يتعلق بمال، ولا يبكي على ثروة.
سابعًا: التحرر من قيود القبلية والتعصب.
والقبلية عند المتحمسين تكون حاجزا لا يُعبر، وعائقًا لا يُتخطى، وخاصة في هذه البيئة العربية، ويزداد الأمر خطورة إذا كان هناك تنافس شديدًا وحاميًا بين قبيلتين من القبائل، فهذا الأمر على سبيل المثال هو الذي صد رجلًا عاقلًا حكيمًا كعمرو بن هشام (أبو جهل) فإذا به بسبب قبيلته ينقلب إلى أبي جهل، قال أبو جهل وهو من قبيلة مخزوم:
تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا، فأطعمنا، وحملوا، فحملنا، وأعطوا، فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: لنا نبي يأتيه الوحي من السماء.
فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه.
فهكذا منعت القَبَلية أبا جهل وأمثاله من دخول الإسلام.
ورجلٌ من بني حنيفة، وهي فرع من ربيعة آمن بمسيلمة الكذاب، وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولما سئل عن ذلك قال:
والله أعلم أن محمدًا صادق، وأن مسيلمة كذاب، لكن كاذب بني ربيعة، أحب إليَّ من صادق مضر.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قبيلة ضعيفة، وهي فرع صغير من فروع قريش، تلك هي قبيلة تيم، ولم تكن القبيلة تنازع أحدًا، أو تنافس أحدًا فوقاه الله بذلك شر التعصب القبلي، ثم هو يستمع الدعوة من رجل نجيب كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم أشرف قريش نسبًا، ومن قبيلة قوية ذات منعة، ومع ذلك فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا يعتمد على نسبه وقبيلته، بل يدعو أبا بكر وهو من قبيلة أخرى، وهي كما ذكرنا قبيلة ضعيفة نسبيًا، إذن هذان رجلان نزعا من قلبيْهما حمية الجاهلية، ونزعا من قلبيْهما النعرة القبلية، وبحثَا عن الحق أينما كان، لا فرق بين هاشمي أو مخزومي، ولا هاشمي وتيمي، بل لا فرق بين قريش وغيرها، بل لا فرق عربي وأعجمي، الدعوة لجميع الخلق، والمفاضلة بينهم بالتقوى، هذا مقياس عادل يعجب رجلًا حصيفًا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والقبلية قديمًا هي في مقابل القومية حديثًا، فالقومية العربية، والقومية التركية، والقومية البربرية ،والقومية الكردية، كل هذه صور من القبلية القديمة صدت ومازالت تصد كثيرًا من الناس عن سماع كلمة الحق وإجابة داعي الإيمان، وما تفرق المسلمون إلا بقومياتهم، ووالله لا يجتمعون إلا على الإسلام، وذلك مصداقًا لقول الفاروق رضي الله عنه:
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فأينما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
ثامنًا: بعض الناس يكون أسيرًا للتقاليد، وإن كانت باطلة، ويكون مفتونًا بالآباء والأجداد، ولا يتخيل أن ما عاش هو عليه فترات وعاش عليه الأقدمون فترات أطول ما هو إلا ضلال في ضلال، الدين الجديد لا يُسَفّه أحلامهم فقط، بل يسفه أحلام السابقين، يسفه أحلام الآباء والأجداد، يهدم التقاليد، يزلزل التراث، هذا الذي صد رجلًا مثل أبي لهب، فأبو لهب من ذات قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عمه، لكنه يرفض أن يسفه فكر الآباء والأجداد، وأن يسفه فكره هو شخصيًا، ولذلك فهو يرفض الدعوة، بل أشد من ذلك وأعجب أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أكثر الناس رعاية له، ومن أشد الناس حبًا فيه، ومع ذلك وقف حاجز التقاليد أمام إيمانه، ووقف تقديسه لآبائه وأجداده أمام دخول الدين مع أنه يصدق محمد في كل كلمة قالها، لكن أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Kiudأيخالف الأجداد؟
هذا في عرفه مستحيل، فإذا به على فراش الموت، وخير الدعاة وأحب الخلق إلى أبي طالب يقف على رأسه يرجوه أن يقول كلمة واحدة، ثم سيموت بعدها: أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ.
وماذا سيضره بعد الموت من كلام الناس والعرب، ولكن أبدًا التقاليد الموروثة والعقائد العقيمة المسمومة، أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يقفان على رأسه يلعبان على هذا الوتر القبيح، وتر التقاليد المخالفة للشرع، يقولان:
يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزالا يكلماه حتى كانت آخر كلماته:
على ملة عبد المطلب.
لا حول ولا قوة إلا بالله خسارة فادحة، وخطب عظيم، أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن متمسكًا بتقاليد آبائه وأجداده، وكان من القليلين الذين يرتبطون بالحق لا بقائل الكلام، فالرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، فهو يعلم أن الحق قد يأتي على لسان رجل شاب من قبيلة أخرى، وقد لا يأتي على لسان مُعَمّر خبير ولو كان أبوه أو جده، كما أن الله مَنّ عليه بأبيه وأمه أحياء عند ظهور الدعوة الإسلامية، فما زالت هناك الفرحة عند دعوتهما إلى الحق، وبذلك لا تسفه أحلامهما، وقد تم له بفضل الله ما أراد وما استراح إلا وقد أدخل أبويه وأولاده وزوجاته في هذا الدين، فاعرض كل تقليد أو موروث من الآباء والأجداد على الحق، فإن اتفق فبها ونعمت، وإن خالف، فلا تعدل بشرع الله شيئًا.
تاسعًا: بعض الناس يفتنون بالديانة القديمة، ويعتقدون في صحتها، وفي نبل القائمين عليها، هذا الذي صد بعض النصارى مثلًا، فهم قد غالوا في المسيح جدًا حتى جعلوه إلهًا، أو ابن الله، تعالى عما يصفون، ومن ثم فهم لا يتخيلون أن يأتي رجل، أو تأتي دعوة ترد هذا الإله المعبود إلى عبوديته، وترد هذا الرب إلى بشريته، فكانت الحرب التي لا هوادة فيها.
أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأي شيء يُعَظّم؟
أيُعَظّم اللات؟
أيعظم العزى؟
أيعظم هبل؟
ألهم تاريخ يشهد لهم بالاحترام والتقديس؟
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سجد لصنم قط في حياته سواء قبل إيمانه أو بعد إيمانه، بل كان دائم الازدراء لهذه الأحجار، ويعلم علم يقين أنها ليست آلهة، فكيف ينفع غيره من لا يستطيع نفع نفسه؟
فكانت دعوة الإسلام لأبي بكر خلاصًا من دين ثقيل على النفس، وراحة لقلب شك طويلًا في اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.
عاشرًا: من العوائق الهامة عند بعض الناس، أو عند كثير من الناس انغلاق الفكر، وضيق الأفق، وغياب الفطنة والذكاء، والحقيقة إنني اعتبر الكافر إنسانًا غبيًا شديد الغباء بكل ما تحمله الكلمة من معان، حتى وإن كان في ظاهره عالمًا أو حكيمًا أو فيلسوفًا إذ كيف لا يهديه ذكاؤه إلى أن خالق هذا الكون بما فيه هو إله حكيم قدير ليس كمثله شيء، دائمًا ما تأتي آيات التدبر والبحث لأولي الألباب والعقول والنهي:
[إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الرعد:19}.
[أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ] {الأعراف:184} .
[قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ] {سبأ:46} .
كيف يعقل أن الحجر الأصم خلق، وصور، وهدى، ورحم، وعاقب، ورزق، ونجّا؟
كيف يعقل أن بقرة تشرع أو أن شجرة تحكم وتدبر؟
الكافر شديد الغباء، هذا الذي منع مثلًا رجلًا مثل حبيب بن عمرو الثقفي من زعماء ثقيف في الطائف، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى أن أكلمك.
وكأنه لا يستطيع التفكير وما قاده عقله القاصر إلا إلى هذا الجهل المُطبق.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ليس كذلك، بل هو حاد الذكاء تمامًا وكثيرًا ما كان يلتقط ببساطة ما يذهب عن ذهن الجميع، اتسم بذكاء فطري، وعبقرية فذة، إذا كان يلتقط الصعب من الأمور، أفلا يلتقط أن لهذا الكون خالقًا؟ وأن محمدًا رسول؟
حادي عشر: الجبن والخوف الشديد إلى درجة الهلع يمنع كثيرًا من الناس من تغيير المألوف، الجبن يمنع كثيرًا من البشر أن يظهروا آراءهم، أو يعبروا عن أفكارهم، وكم من قضية ماتت بسبب جبن أصحابها، وكم من حق ضاع بسبب جبن طلابه، أبو بكر أشجع الصحابة وأقواهم شكيمة، ما نكص على عقبيه منذ أسلم، ولم يؤثر عنه فرار ولا خضوع ولا فتور، فلما عرض عليه الإسلام، ورأى الحق فيه ما خاف من أحد، ولا اعتبر بالجموع التي ستواجه الدعوة حتمًا، والإسلام قرار جريء، ويحتاج إلى رجل جريء وكان أبو بكر رضي الله عنه ذلك الرجل.
ثاني عشر: الانغماس في الشهوات أيضًا من الموانع المعروفة للدعوات الإصلاحية، فصاحب الشهوات لا يريد أن ينقطع عنها، ولا يريد أن يبتعد عنها ولو إلى فترة قليلة
[فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] {مريم:59}.
هكذا الذي جعل من نفسه تابعًا للشهوات لا بد أن يضيع الصلاة، ومن أضاع الصلاة كان على إضاعة غيرها أقدر، بل إنه الله يجعل طائفة من الناس وكأنهم يعبدون هواهم وشهواتهم، اسمع إلى قوله عز ووجل:
[أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ] {الجاثية:23} .
هذا الرجل الغارق في الشهوات المنغمس في المعاصي يكون بعيدًا تمامًا عن الدعوات الأخلاقية الفاضلة.
أبو بكر لم يكن من هذه الطائفة، بل على العكس، إنه من خيار الناس أخلاقًا حتى قبل إسلامه، ويعظم من شأن الفضائل والمكارم، وما طعنه طاعن بشيء في أخلاقه، حتى بعد إسلامه ومعاداته للكفر والكافرين، ودعوة الإسلام هي دعوة الأخلاق العظمى في الأرض، والداعي إليها صلى الله عليه وسلم أكمل البشر أخلاقًا، قبل وبعد البعثة، ولا يخفى ذلك على أحد، وكان الجميع يعلم أن هذه الدعوة هي دعوة أخلاق، حتى قبل التحريم الكامل للخمر، والزنا، والربا، وغيرها من الفواحش، ها هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطب النجاشي ملك الحبشة في العام الخامس من البعثة يصف أخلاق الإسلام:
أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله وحده؛ لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة، والأوثان، وأَمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، .
إذن الدعوة الإسلامية أخلاقية منذ اللحظات الأولى لها، ورجل له أخلاق الصديق لا بد أن يستجيب لهذه الدعوة.
ثالث عشر: من الموانع الخطيرة للدعوات الإصلاحية التعود على الذل.
يكون المرء ذليلًا لا يستطيع الحراك إلا بإذن الذي يسقيه الذل والهوان، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان عزيزًا في قومه، صاحب رأي وشرف ومكانة، فكان يأخذ رأيه بإرادته، لا يمليه عليه أحد، والإنسان الذليل ليس بالتبعية أن يكون عبدًا، فكم من العبيد كانت لهم نفوس حرة، وكم ممن يظنون أنفسهم أحرارًا هم أذلاء لغيرهم، هذا بلال العبد يأخذ قراره بنفسه وينخرط بسرعة في فريق المؤمنين، وهذا على الجانب الآخر وفد بني شيبان، وهو على درجة عالية من المكانة والعز والشرف بين العرب يرفض الإسلام لماذا؟
لأنهم أذلاء لفارس، يسكنون بجوار فارس، ومع عزتهم الظاهرة إلا أنهم لا يأخذون قرارًا ولا يقطعون رأيًا يغضب الأسياد الفارسيين، وقالوا:
إن هذا الأمر- أي الإسلام- مما تكرهه الملوك.
ولذلك أجلوا إسلامهم سنوات وسنوات؛ ولذلك نلاحظ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم مثلًا إلى هرقل عظيم الروم، كان مما قاله فيها صلى الله عليه وسلم:
أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ. كما جاء في البخاري.
وفي رسالة كسرى فارس قال صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ.
فشعوب الروم وفارس كانت ذليلة، لا تأخذ قرارا إلا بعد رأي الأسياد، حتى لو كان القرار قرار جنة أو نار.
رابع عشر: دعوة الإسلام دعوة رقيقة لطيفة حانية، تمس القلب، وتربت على الكتف، وتسمو بالروح، وقلوب العباد متفاوتة، فمنهم من له قلب ألين من الحرير، ومنهم من قلوبهم كالحجارة أو هي أشد قسوة، ولا شك أن غليظ الطباع، قاسي القلب، جافي النفس، سيكون بعيدًا عن هذا الدين، ولا شك أيضًا أن أبا بكر الصديق لم يكن كذلك، وتحدثنا كثيرًا عن رقته وعاطفته الجياشة ودموعه القريبة، ورجل كهذا لا بد أن يدخل الإيمان في أعماق قلبه، ولا بد أن يتأثر بكلمات الرحمن عز وجل، ولا بد أن يتأثر بكلام حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم:
[اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] {الزُّمر:23}.
فإذا بدأت فابدأ برقيق القلب، ليّن الجانب، واتل عليه كتاب الله، وسترى عجبًا.
خامس عشر: بعض الناس يعاني مرضا خطيرا لا يرجى في وجوده تغيير ولا إصلاح، بل يقعده هذا المرض حتى يرى كيف تسير الأمور؟ ثم يسير معها أينما سارت، ذلك المرض هو السلبية، السلبية تقعد بصاحبها عن كل خير، فلا يفعله إلا إذا فعله الناس، ويصبح بذلك رجل إمعة، كهذا الذي صوره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه:
لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا.
فالرجل الإمعة هذا لا يصلح إلا أن يكون تابعًا، وهي صفة من صفات المنافقين
[الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا] {النساء:141} .
هذه السلبية هي التي صدت رجلًا عاقلًا مثل عتبة بن ربيعة، فإنه لما سمع كلام الله عز وجل على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأثرت فيه الآيات المعجزات من صدر سورة فصلت، عاد إلى قومه مسرعًا يتحدث عن القرآن، وكأنه داعية من دعاة الإسلام، قال:
سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة.
فماذا كان نتيجة هذا اليقين بصدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وماذا فعل بعد العلم، اقرأ إليه وهو يعرض رأيه، يقول عتبة بن ربيعة:
يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
فالرجل عتبة بن ربيعة سلبي إلى أبعد درجات السلبية، فهو على يقين من صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلم أن هذا الكلام ليس بكلام بشر، ومع ذلك فرأيه الذي يظنه حكيما أن تخلي قريش بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين العرب، فإن انتصر العرب عليه فهم مع العرب، وقد أراحوا أهل قريش من محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصبهم أذى، وإن انتصر محمد صلى الله عليه وسلم على العرب سارعوا بالانضمام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، سلبية مطلقة، فلما اعترض القوم على كلامه وقالوا:
سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
فماذا فعل؟
ماذا فعل أبو الوليد الرجل العاقل الحكيم الذي أدرك صدق الرسالة؟
قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
والقوم صنعوا السيئ والقبيح، فإذا به يصنع السيئ والقبيح معهم، بل إنهم خرجوا يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، فإذا بعتبة بن ربيعة يحمل سيفه، ويخرج مع الكافرين يقاتل رجلًا تيقن أنه نبي، أي سلبية، وأي إمعية، هذا الطراز الفاشل لا يصلح للدعوات المصلحة.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه على طرفي النقيض من عتبة بن ربيعة، فليس في الإسلام رجلًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبعد عن السلبية من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ظهرت إيجابيته في كل مواقفه رضي الله عنه، ظهرت في إسلامه، وفي إعتاقه للعبيد، وفي دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة مكة، ثم المدينة، وفي إعداده للهجرة، وفي ثباته في كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهرت إيجابيته عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت في حروب الردة وفارس والروم، وفي جمعه للقرآن، ظهرت إيجابيته في مساعدة الفقراء والمحتاجين وكبار السن من عامة المسلمين، كان رضي الله عنه وأرضاه نبراسًا لكل مصلح، ودليلًا لكل محسن، وما معروفًا إلا وأمر به، ولا رأى منكرًا إلا وحاول تغييره بكل طاقاته، بيده، ولسانه، وقلبه؛ لذلك شق عليه كثيرًا أن يرى بعض المؤمنين يتركون النهي عن المنكر؛ لأنهم فهموا آية من آيات الله عز وجل على غير معناها الصحيح، لقد سمع بعض المؤمنين الآية الكريمة
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المائدة:105} .
ظن بعض المؤمنين أن هذه دعوة إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ظنوا أن الله يقول لهم: عليكم أنفسكم؛ أي اهتموا بأنفسكم فقط لا يضركم ضلال الآخرين فلا تهتموا بهم.
والأمر على خلاف ذلك تمامًا، وقف أبو بكر رضي الله عنه ليصحح لهم الفهم، وليصلح فهم الطريق، قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المائدة:105} .
وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ وَلَا يُغَيِّرُونَهُ يُوشِكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ. روى ذلك أصحاب السنة، والإمام أحمد، وابن ماجه، وهكذا فإن الرجل الإيجابي العظيم كان ولا بد أن يسعى للتغيير، والإصلاح إذا وجد المنهج القويم المعين على ذلك، وقد وجد ضالته في الإسلام فما تردد ولا تأخر.
سادس عشر: كثيرًا ما يقتنع الرجل بفكرة، أو قضية، أو موضوع، ثم إذا به يُصَد عنها بصحبته السيئة، فكما روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ.
كثيرًا ما رأينا في فترة مكة مجموعات من الأصدقاء تؤمن أو مجموعات من الأصدقاء تكفر، فالرجل يتأثر بأحبابه وأصحابه، رأينا مثلًا رجلًا عاقلًا ذكيًا لبيبًا مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه يتأخر الإسلام عشرين سنة كاملة، فمَنْ أصحابه المقربون؟
عمرو بن العاصي رضي اله عنه، ظل أيضًا عشرين سنة كافرًا،
وعثمان بن أبي طلحة ظل أيضًا كافرًا عشرين سنة، والثلاثة من أصحاب الذكاء والفطنة والمروءة والنجدة، لكن اجتمعوا على باطل، فأضل كل واحد منهم صاحبيه، وتعاهدوا على ذلك، ثم سبحان الله بعد السنوات الطوال، يدخل الإيمان تدريجيًا في قلب أحدهم فيسري بسهولة إلى الآخر، ثم إلى الثالث، ثم إذا بهم يذهبون للإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم واحد في السنة السابعة للهجرة، وذلك ليثبتوا قيمة الصحبة، وقيمة الأخلّاء فلما كانوا على الكفر تعاهدوا عليه، ولما أشرف الإيمان في قلوبهم أيضًا تعاهدوا عليه.
مثال آخر: هو أبو البَختري بن هشام، وكان من المشركين، لكنه لم يكن يؤذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على العكس كان من الذين قاموا لنقض صحيفة المقاطعة المشهورة، ولكونه كف الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله يوم بدر، فقابله أحد الصحابة المجذر بن زياد البلوي، فوجده يقاتل بجوار صديق له، فقال:
يا أبا البختري، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك.
فقال: وزميلي؟
فقال المجذر:لا والله ما نحن بتاركي زميلك.
فقال: والله لأموتن أنا وهو جميعا.
ثم اقتتلا فاضطر، المجذر إلى قتله، فهذه صداقة كافرة قادتهما إلى موت على كفر، ولو لم تكن الصداقة لنجا أبو البختري، ولكن اختياره لأصدقائه كان سببًا في هلاكه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
magd1000

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Uooo_o10
magd1000


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : ذكر
عـدد المساهمات : 1133
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue999 / 999999 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 4
تاريخ التسجـيل : 01/06/2009
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 0812291040537O8X

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 1000uo10

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 19, 2010 2:25 am

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 1262170572

اهلا بحضرتك

حبيب الروح
موضوع جميل معطر بورود الفل والياسمين
تحياتى
مع خالص شكرى وتمنياتى بالتوفيق

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Item112151
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://magd1000.own0.com/forum.htm
نسمة صيف

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Oou_uu10
نسمة صيف


أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Untitl17
<b><i>الجنـس</i></b> الجنـس : انثى
عـدد المساهمات : 138
نشاطِ العضو :
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Left_bar_bleue121 / 999121 / 999أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Right_bar_bleue

رقـم العضـوية : 39
تاريخ التسجـيل : 04/05/2010
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Ououou10

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه   أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 20, 2010 9:44 am



جزاكى الله خير أختى حبيب الروح

موضوع جميل جدا

وأبو بكر من خير الأصدقاء الذين وجدوا فى هذا العالم

أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 2728 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 942343 أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه 2728
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أبو بكــر الصديق..... لمحات من مواقفه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لمحات منحياة سلمان الفارسى
» لمحات من حياة الزبير ابن العوام
» الصديق الوفى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البدر100 :: المنتدى الأسلامى :: اسلاميات-
انتقل الى: