صباح ملون بلون الورد
أشعر بفرحة عارمة تحلق بجناحيها حولى تنسينى آهات الليالى الماضية.
أنظر لكل الأشياء بلونها الطبيعى.. تصدر من قلبى ضحكة عالية تسرى فى جسدى انتفاضة محببة.
ألمح
نظرات أمى المختلسة من وراء باب حجرتى فى المستشفى أناديها باسمها (فاطمة)
تهرول فى حركة لا إرادية تحتضنى فى دفء يزيل ما تبقى من هوان فى قلبى.
أستقبل مشاعرها العفوية بأنفاس استنشقت هواء نقيا هذا الصباح.
لاطفتها بدعابة كعادتى وقت الرخاء.
أيقنت أننى عدت (مريم) ابنتها من جديد.
بشرتنى بأن الطبيب قد صرح بعودتنا للبيت.
كم اشتقت لحجرتى
ساورنى شعور بالقلق على أمى، تذكرت يوم انهيارى.
رائحة الدم.
شرايينى المنحورة.
صرخات أمى.
جسدى الممدد على بلاط حجرتى المظلمة.
الجميع حولى لا يصدق أن مريم الوديعة تقبل على إنهاء حياتها هكذا!
انطلقت أعدو ببراءة لا أجد لها مبررا سوى أننى قررت النسيان.
نسيان هزيمتى فى حبى.
نسيان محاوله انتحارى.
فتحت فى قلبى صفحة جديدة مع كل شىء..
أهلى..
أصدقائى..
حتى دراستى فى الجامعة..
لا وقت للهزيمة.
التهمت كميات من الطعام حتى زاد وزنى ضعفا.
تسابقت مع زملائى فى الجامعة على المذاكرة.
كان كل شىء يسير كما أردت..
حتى ظهر مرة أخرى..
تدنو منى نظراته المتطفلة..
تلسع جسدى لسعات. ترتعد عروقى. ولا أذكر سوى الدم يسيل من يدى.
حاصرنى بعنف. دمر إرادتى على المقاومة.
انسحبت مسرعة أنظر خلفى خائفة من خطواته ورائى.
باعدت بيننا المسافات.
وقف خانعا لا يجرؤ على ملاحقتى لكن صدى أنفاسه المتقطعة ببكاء صامت ودموع أراها زائفة.
نفذت إلى قلبى رغم يقينى من خداعه.
بكيت لأول مرة منذ عدت من المستشفى.
كلما أحسست أن مشاعرى تتساقط منى أضع صورة أمى وإخوتى بينى وبينه.
جاءتنى رسالة منه على هاتفى المحمول..
كلمات أوقعتنى فى حيرة، هل أصدقه بعد أن تخلى عنى؟
أم أطوى صفحتى معه للأبد؟.
محاولات مستميتة خاضها حتى أغفر له، لكننى تمسكت بغضبى..
رحل.
لم أره منذ ذلك الحين..
مر عام..
وأنا لا أعرف عنه شيئا.. يسبقنى بعام
فى أول عامى الجامعى الأخير ذهبت بحماسة غير عادية، لكن غصة مازالت تستقر داخلى تنسينى بهجتى بالعام الجديد.
جاءتنى
نورا زميلته فى كلية الطب تبكى بحرقة لم أعهدها فيها مع صخبها الدائم..
انقبضت عضلات قلبى، نظرت فى عينيها فأدركت أن مكروها قد حدث لها، لكننى لم
يصل لمخيلتى أن هذا المكروه قد أصاب حسين.
صدمتنى حقيقة حسين.. قالتها نورا دفعة واحدة.. حسين مات.. فضل الابتعاد عنك حتى لا تتألمين.
لم تكمل كلماتها..
سقطتُ مغشيا علىّ..
سريرى يهتز من نهنهاتى..
سيطر على أمى رعب جعلها تلصق جسدها بجسدى ليل نهار.
ابتسامته تطل علىّ وسط نومى المتقطع رغم إدمانى المهدئات.
فى
يوم استيقظت وأحسست أنه ينادينى، طاوعت نداءه، خرجت أبحث عنه، عبرت حجرتى
بحذر حتى لا تصحو أمى، رأيته يحلق فى السماء، ناديته فأشاح بوجهه عنى.
ليتنى صدقته!