اهلا بحضراتكم
من يريد أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر عليه أن يتصف بثلاث خصال العلم والرفق والصبر
أولاً- العلم:-
فمن شروط هذه الدعوة العلم وأن تكون ذات حكمة وهذا العمل لا يكون صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه ، كما قال عمر بن عبد العزيـز: "من عبـَد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح" .
وقال معاذ (رضي الله عنه):- العلم أمام العمل والعمل تابعه وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً وإتباعا للهوي.
وينبغي قياس المصالح والمفاسد المترتبة قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعني أن ندرك المصالح التي تؤدي بنا إلي اكتساب الأجر وقبول العمل من رب العالمين عن المفاسد التي تبعدنا عن الطاعات الإيمانية فبالتالي العلم أساس هذه الدعوة.
ثانياً- الرفق:-
لابد من الرفق كما قال الحبيب (صلي الله عليه وسلم):-
1- "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه " صححه الألباني في صحيح الجامع , وقال عنه في صحيح الترغيب حسن صحيح
2- " من يحرم الرفق يحرم الخير" رواه مسلم
قال الإمام أحمد : يأمر بالرفق والخضوع فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون كمن يريد أن ينتصر لنفسه
وكما علمنا رب العالمين في كتابه الكريم كيف يوضح لنا أن اللين في التعامل أفضل من قساوة القلب فلا تكن أكثر ليناً فتُعصر ولاتكن أكثر غلظة فتـُكسر فكما أوحي تعالي إلي محمد (صلي الله عليه وسلم) بقوله تعالي:-
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"آل عمران 159 (فبما رحمة من الله لنت) يا محمد (لهم) أي سهلت
أخلاقك إذ خالفوك (ولو كنت فظاً) سيِّء الأخلاق (غليظ القلب) جافيا فأغلظت لهم (لانفضوا) تفرقوا (من حولك فاعف) تجاوز (عنهم) ما أتوه (واستغفر لهم) ذنبهم حتى أغفر لهم (وشاورهم) استخرج آراءهم (في الأمر) أي شأنك من الحرب وغيره تطييبا لقلوبهم وليستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم (فإذا عزمت) على إمضاء ما تريد بعد المشاورة (فتوكل على الله) ثق بعد المشاورة (إن الله يحب المتوكلين) عليه أي باللين وبالدعاء لهم وبالمشاورة تكون النتيجة أفضل من الغلظة الشديدة.
قال سفيان الثوري:- "لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر إلا أن يكون به ثلاث خصال:- رفيق بما يأمر رفيق بما ينهي ؛ عدل بما يأمر عدل بما ينهي ؛ عالم بما يأمر عالم بما ينهي".
ثالثاً - الصبر:-
لابد أن يكون الناصح حليماً صبوراً علي الأذي وذلك ما وصي به لقمان ابنه في قوله تعالي:- " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"لقمان17
"يا بني أقم الصلاة" وصى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا إنما يريد به بعد أن يتمثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع ؛"واصبر على ما أصابك" يقتضي على تغيير المنكر وإن نالك ضرر، فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحياناً وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله، وقيل: أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل ؛ "إن ذلك من عزم الأمور" فمن حقيقة الإيمان الصبر على المكاره. وقيل: إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور، أي مما عزمه الله وأمر به، قاله ابن جريج: ويحتمل إن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة.
فمن لم يبر سهام دعائه بسكين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت سهامه باردة وطاشت ، وليست السهام معيبة ولكن العيب في الرامي ، فإن تقدم الصالحون وبادروا فأمروا ونهوا فقد قدموا البرهان علي امتلاء قلوبهم بالإيمان والغيرة علي دين الله ، فيفرح الله بهم أيما فرح ،ويكافئهم علي صنيعهم ، فيلبي رغباتهم ويقضي حاجاتهم ويحقق أمانيهم ويستجيب دعاءهم .
**** تولد كلمات الدعاء علي أطراف اللسان فينفخ فيها القلب من روحه ، فتصعد الروح إلي بارئها " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " فاطر10 (إليه يصعد الكلم الطيب) يعلمه وهو لا إله إلا الله ونحوها (والعمل الصالح يرفعه)
**** وعلي عمل الداعية الذي يدعو بهذا الأمرإلا كلم طيب يدل به علي الله تعالي وعمل صالح يصدق هذا الكلم ، فإن مات القلب بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولدت كلماته ميتة لتدفن في باطن الأرض بدلاً من أن ترتقي مدا رج السماوات ، ولتواري التراب بدلاً من مجاورة السحاب أي الفوز العظيم الذي نتمناه فنصبح من " وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" التوبة 111-112 ،
البشري هي الجنة للمؤمنين وهذا هو الفوز العظيم .
**** والأمر بالمعروف نعني به أن أمر غيرك بتوحيد الله وطاعته والتقرب إليه والإحسان إلي الناس مما وافقته الفطرة والمصلحة.
**** والنهي عن المنكر نعني به نهِي الناس عن معاصي الله جل وعلا وكل ما حرمه وقبحه
تحياتى
مع خالص شكرى وتمنياتى بالتوفيق