جاء في الآية 13 من سورة الحجرات:"..وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...". وهذا يعني أنّ انقسام البشر إلى قبائل وشعوب وأمم هو أمر صحّي وإيجابي، بغض النظر عن العوارض السلبية لهذا الانقسام. والذي يهمنا هنا هو الإشارة إلى ماضي البشرية الذي ساعد على تشكّل الشعوب والأمم، إلى درجة أن نجد اليوم الأسود والأبيض، والأصفر وغيره، بحيث يسهل التمييز، لاختلاف الأشكال والألوان والصور واللغات. ويبدو أنّ الانعدام النسبي لوسائل الاتصال في القديم ساعد على عزل الناس بعضهم عن بعض، وبالتالي ساعد على تشكّل الخواص المميزة للأمم والشعوب. وهذا يعني أننا نسير اليوم في الاتجاه المعاكس، نظراً لتطور وسائل الاتصال، وسقوط الحواجز بين البشر شيئاً فشيئاً.
يتحدث القرآن الكريم، في خواتيم سورة الكهف، عن قصة ذي القرنين، الحاكم القوي التقي العادل، الذي يجوب الأرض حاملاً رسالة الخير إلى الناس، فهو على خلاف ما عهدته البشرية من حكم الجبابرة والمتسلطين. ويجدر أن نلفت الانتباه هنا إلى أننا لا نقصد بذي القرنين الإسكندر المقدوني، بل هو عبد صالح تضاربت الأقوال في اسمه وزمانه، ويرجّح البعض أنه كورش الفارسي. وما يهمنا هنا أن نلفت الانتباه إلى ما قام به من بناء عظيم يفصل بين أُمّتين، ويكون بذلك قد ساعد الأمّة الضعيفة على النمو بعيداً عن إفساد أمّة يأجوج وأمّة مأجوج. وبهذا العمل يكون قد ساعد، عن طريق العزل، على تشكل وتبلور شخصية أكثر من أمّة. واعتبر ذلك في حينه رحمة؛ جاء في الآية 98 من سورة الكهف:"قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي". ولكن مشيئة الله وحكمته أن لا يدوم هذا العزل:" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ، وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ".
وللحديث بقية ان شاء الله.