البكاء في الدعاء.. بين الخشوع والتكلف
البكاء من خشية الله من الأمور المطلوبة.. ولكن كثير من الأئمة والمصلين يتصنعون البكاء أثناء الدعاء في صلاة التراويح..
فتجد
الإمام يتكلف في الدعاء ويأتي بالأدعية المسجوعة التي بلغ بها حد التكلف
فيظل يدعو بها لأكثر من ساعة.. وكذلك تجد المصلين يبحثون عن من يبكيهم في
صلاتهم.. فيقطعون المسافات والأميال الطويلة ليصلون وراء شيخ بعينه ممن
أشتهر بدعائه الذي يجلب البكاء.. وعندما يبدأ الإمام بالدعاء تجد المصلين
تتعالي أصواتهم بالبكاء وترتفع الصيحات.
وفي الوقت ذاته لا تجد
من يبكي إذا سمع آيات الوعيد والعذاب مع أنه الأولي بالبكاء.. وعن ذلك
يقول الشيخ عماد مالك إمام وخطيب بالأوقاف: إن دمعة العين إذا كانت صادقة
ووقعت في موقعها الصحيح كان لها قدر عظيم عند الله.. فمن السبعة الذين
يظلهم الله في ظلة يوم لا ظل إلا ظله.. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت
عيناه..
فالبكاء إذا عبر عن إيمان وعن صدق مع الله وعن توبة وندم
وعن تفكر في عظيم خلق الله وعن ذل وتواضع مع رب العالمين رفع الله به العبد
في الدنيا والآخرة ولقد وصف الله عباده الذين يتضرعون إليه في صلواتهم
فقال عنهم كما في سورة الإسراء:( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم
خشوعا)..
فالمفترض في البكاء أن يأتي تعبيرا عما في القلب
فالإنسان يبكي حينما يتفكر في آيات ربه في الصلاة خاصة في صلاة التراويح
التي يطيل فيها القراءة.. فالبكاء يأتي فيها من خشوع صادق ونية صافية
وتفكر في آيات ربنا ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يبكي حينما يسمع آيات
تتجلي فيها العظمة والخشية من الله تعالي..
فقد روي البخاري ومسلم
في صحيحيهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:( قال لي النبي صلي الله
عليه وسلم اقرأ علي قلت يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل قال نعم فقرأت
سورة النساء حتي أتيت إلي هذه الآية( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد
وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا) قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه
تذرفان)..
فبكي النبي صلي الله عليه وسلم حينما تفكر في منزلته
عند ربه وكيف أن الله عز وجل جعله شهيدا علي الأمم.. فالبكاء مشروع في
الصلاة ووارد عن النبي صلي الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليه فقد
كان النبي صلي الله عليه وسلم يبكي في صلاته وذلك لأنه صلي الله عليه وسلم
أكثر الناس خشوعا لربه تبارك فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي وفي
صدره أزيز كأزيز المرجل..
أي أن الدموع فقط هي التي تخرج تعبيرا
عما في القلب.. فينبغي أن تكون الدموع بين الإنسان وربه.. حتي يكون هذا
البكاء خالص لوجه الله عز وجل ويكون بعيدا عن الرياء والسمعة كما ورد أن
أبا بكر كان يبكي بكاءا شديدا في صلاته حتي لا يفهم الناس ما يقول من شدة
بكاءه رضي الله عنه ولكن حالنا مع البكاء يختلف عما كان عليه جيل
الصحابة.
فبعض الناس يعلوا صوته في البكاء في الصلاة حتي يسمعه
الناس.. ويؤدي هذا البكاء إلي التشويش علي من حوله من المصلين وشغلهم
عن صلاتهم.. ورفع الأصوات في البكاء ليس له داع في أي حال من الأحوال
ويجب علي الإنسان أن يجاهد نفسه في ضبط هذا البكاء.
ويضيف: هناك
بكاء ربما أورد المهالك.. فمن الأئمة من يتصنع البكاء خاصة في صلاة
التراويح ويتكلف أن يتأتي بنغمة حزينة ويقلد غيره من القراء في حزنه وليست
هذه قراءته لكنه يقلد غيره يبكي ويبكي الناس من حوله وقلبه ما خشع لله وما
تدبر في آياته.. ولو تدبر حقا لخشع القلب ولرقت الجوارح دون تكلف ودون
تقليد للغير..
قال ربنا تبارك وتعالي في سورة الزمر:( الله نزل
أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين
جلودهم وقلوبهم إلي ذكر الله).. فالجلود تقشعر والقلوب تخشع لسماع آيات
الله دون تكلف ودون تشبع للشخص بما ليس عنده.. قال صلي الله عليه
وسلم:( المتشبع بما لم يعطه كلابس ثوبي زور).