لم
تسقط أيام ميدان التحرير النظام فقط، بل أعادت اكتشاف روح النكتة التي
اشتهر بها المصريون وفقدوها مع تعب الحياة ومشقة المعيشة، لدرجة أن المخرج
خالد يوسف عبر عن قلقه، فالنكتة المصرية كانت عبر التاريخ تنفساً يتم
الاكتفاء به، فندرت الثورات على الحكام في "أم الدنيا".
ولذلك خشي من أن تنتهي الثورة عند هذا الكم الهائل من النكات التي يفجرها المعتصمون بالميدان.
جاءنا تامر حسني معلنا انضمامه لنا بعد أن هاجمنا بعنف في التلفزيون
الحكومي واتهمنا بأننا عملاء للخارج. اندفع إليه المتظاهرون وضربوه. كان
حدثا ممتعا لم ندعه يمر بدون أن نقضي ليلتنا في استعادة المشهد بتمثيل
أحدنا له وإطلاق حزمة من النكات امتدت حتى الصباح.
تبادل الميدان مقطع الفيديو، الذي يبكي فيه، ويقول إنهم خدعوه، وأن مسؤولا كبيرا اتصل به عندما كان خارج مصر.
رغم برودة الطقس خلع أحد الشباب ملابسه العليا، وارتدي قميصا ضيقا، فتح
صدره، ووضع بعض قصاصات الورق الرفيعة، وكأنها شعر كثيف، ونكش شعره، وظل
يقلد تامر حسني، ويقول: " أنا آسف يا مصر.. أنا بحبك يا مصر.. قد ما بحب
البرفان والجيل وشعر صدري، ومستعد أعمل عملية تجميل وأزود الشعر شوية عند
الكتاف".
التف الشباب حوله وظلوا يغنون "الشاب التامر.. الهارب م الجيش.. جاي يضحك
علينا ويغني ويعيش"، وانتشرت النكات والقفشات على مطرب الجيل- اللقب الذي
اخترعه تامر لنفسه - أحدها يقول "إن تامر نسي يجيب البنات اللي بيغمي عليهم
في الحفلات معاه".
استقر في نفوسنا أن تامر يركب الموجة بمجيئه إلى ميدان التحرير عندما عرف
أن الشباب يسيطر على الميدان وأن شعبيته وسطهم قد ضاعت بعد أن هاجمه في
التليفزيون.
عمرو أديب بدوره تعرض لهجوم عندما حضر إلى الميدان، ربما لا يمكن أن نسميه
هجوما، يمكن أن نقول رفض أو حتى طرد من الميدان، حيث دافع البعض عنه خاصة
عندما هتف ضد النظام ومبارك، قد يكون تجميد أديب من الظهور الإعلامي في عهد
النظام السابق وايقاف برنامجه الشهير "القاهرة اليوم" وراء التعاطف معه.
عصام شرف معنا تامر حسني وعصام شرف
الدكتور عصام شرف الذي اختاره
ميدان التحرير ليكون رئيس وزراء الثورة، أعرفه منذ كان وزيرا للنقل، لم
يعرف عنه أنه منافق أو تابع، كل ما قام به وما فعله يؤكد ذلك.
فجأة وجدته بجانبي، احتضنته بقوة، سمعت صوته يهتف بقوة: "الشعب يريد إسقاط
النظام"، ملامحه لا يعرفها كثيرون، لكن الشخصيات التي التفت حوله وقدمته
للشباب جعلتهم يشعرون بالقوة، من وجود وزير سابق وسطهم.
من هذه اللحظة حصل شرف على بداية الشرعية، من قلب الميدان. لم يهبط
بالبراشوت علينا من فوق، ولم ينتظر حتى تتضح الصورة ليقرر مصيره، مثلما فعل
آخرون يدركون أن أنياب النظام السابق قوية يمكنها أن تفتك بهم إذا استعادت
السيطرة.
شرف كان بيننا مع أسرته على مدى أيام ميدان التحرير. حملناه على الأعناق
قبل رحيل مبارك، وقبل استمرار أحمد شفيق في حكومة تسيير الأعمال. أمسك شرف
قلبه أكثر من مرة وهو يهتف مع الشباب. التعب والارهاق كانا ظاهرين عليه،
لكنه ظل معنا لا يبارحنا.
لافتات ساخرة من لافتات ميدان التحرير
حرب اللافتات كانت هي الأشهر
في الميدان، كنا نعتبرها البديل الآمن للمولوتوف، هم يضربونا بالقنابل
والمولوتوف والرصاص، ونحن نقتلهم بالسخرية والنكتة.
اللافتات إحدى وسائلنا لقتل النظام بالسخرية. كان بعضها منظما يكتب في
الخيام ليلا بعد اتفاق، لكن غالبيتها تلقائية، مثل الافتات العبقرية التي
كتبها أحدنا "ارحل مراتي عايزة تولد ومش عايز الواد يشوف وشك" وأخرى تقول
"ياعم امشي عايز أحلق" والتى رفعها شاب كثيف الشعر.
واحدة من اللافتات حملها طفل صغير، مكتوب عليها "رسالة من تلميذ مصري
للمتظاهرين، أعزائي في ميدان التحرير.. بخصوص الثورة اللي شغالة عندكو.. لا
تنسوا أنها ستدخل في مادة التاريخ وإحنا إللي بنحفظ في النهاية.. فاختصروا
من فضلكو!."
كانت لافتة مدهشة حملها طفل يؤكد فيها للمتظاهرين أنهم سينتصرون في النهاية
لكنه يطلب منهم أن يختصروا الوقت لأن ثورته سيدرسها ولا يريد أن يحفظ
كثيرا.
وعندما طال بقاء حسني مبارك، ظهرت لافتات من نوع :- " أنا رايح الحمام،
خلصنا بقى"! . " أنا ايدي وجعتني من رفع اللافتة، والنبي عجل"!. و" أعلن
مصدر مسؤول أن مبارك استجاب لمطالب الشعب بتغيير النظام، وأمر بتغيير
(نظام) أجهزة الكمبيوتر في الدولة.. من ويندوز إلى لينكس".
ثم ظهرت لافتات تتهكم من بقاء مبارك في السلطة رغم المطالبة برحيله، وبينها
لافتة تم رفعها ليلة التوجه إلى قصر العروبة حيث يقيم مبارك "خلاص ما
تمشيش" إحنا اللي جاينلك".
وظهرت لافتات تحمل أسماء لأفلام مصرية مع بعض التصرف الساخر، معظمها تتحدث
عن الأجندات الخارجية التى تحدث عنها مبارك في خطابه مهاجما المتظاهرين
وملمحا لتمويل أجنبي مثل "يا انا يا حسني"، و"الواد سليمان بتاع الرئيس"،
"مبارك شيكا بيكا"، "إنها حقا أجندة محترمة"، " خالتي أجنده"، " تيمور
وحسني" ، "شورت وأجندة وكاب" ، " حسنيكانو"، "وبلطجية في كي جي تو"،
"المرأة والدستور"، "مطب رئاسي"، " اللي بالي ماشي"، " نحيني شكراً "، "
يادنيا يا حرامي"، "حب في الدبابة "، "سلام يا حُسني "، "ليلة سقوط النظام
"، " إعزلني شُكراً "، " التحرير رايح جاي "، "إحنا بتوع التحرير"، "
الرصاصة المطاطية لا تزال في جيبي "، "مُذكرات ثائرة "، " أخويا ثائر وأنا
مندس ".